للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَبَحَ شَاةً وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَغَسَلَ إنَاءً بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ بِمَاءٍ جَارٍ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ نَجَاسَةٍ وَمَلَأَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَصْلًا وَلَمْ يُشَاهِدْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ (وَالْأَصْلِ) بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَذْبُوحَةِ الْحِلُّ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُبُوتَ حُرْمَةٍ فِيهَا وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ (فَلَا يُعَارِضُ) الْإِخْبَارُ بِهِمَا (مَا) أَيْ الْإِخْبَارُ (بِحُرْمَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَيَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ بِالْحِلِّ فِي الطَّعَامِ وَالطَّهَارَةِ فِي الْمَاءِ (إنْ تَعَذَّرَ السُّؤَالُ) لِلْمُخْبِرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا فَيُرَجِّحُ الْخَبَرَ النَّافِي بِهِ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السُّؤَالُ لِلْخَبَرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ

(سُئِلَ) الْمُخْبِرُ (عَنْ مَبْنَاهُ) أَيْ مَبْنَى خَبَرِهِ (فَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ) فَإِنْ تَمَسَّكَ الْمُخْبِرُ بِظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّاةِ الْحِلُّ وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُنَافِيهِمَا فَخَبَرُ الْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ دَلِيلٍ فَلَا يُعَارِضُ الْخَبَرَ الْمُثْبِتَ وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ثُمَّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ لِمَا ذَكَرْنَا (وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ) لِمُتَعَلِّقِ الْمُتَعَارِضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا دَلِيلٌ يُصَارُ إلَيْهِ (بِسُؤْرِ الْحِمَارِ) أَيْ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ (تَعَارَضَ فِي حِلِّ لَحْمِهِ وَحُرْمَتِهِ الْمُسْتَلْزِمَتَيْنِ لِطَهَارَتِهِ) أَيْ سُؤْرِهِ (وَنَجَاسَتِهِ الْآثَارُ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» وَالنَّهْيُ عَنْهَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَحُرْمَةُ الشَّيْءِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ وَلَحْمُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَكُونُ نَجِسًا وَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ لُعَابُهُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ يُجْلَبُ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ يُخَالِطُ الْمَاءَ فَيَكُونُ نَجِسًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا وَإِذَا كَانَتْ حَلَالًا كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً كَانَ سُؤْرُهَا طَاهِرًا لِأَنَّ اللُّعَابَ الْمُخْتَلِطَ بِهِ طَاهِرٌ.

(فَقُرِّرَ حَدِيثُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ) أَيْ بِسُوَرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوُجُودِ (وَطَهَارَتِهِ) أَيْ السُّؤْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلُ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ) أَيْ تَقْرِيرَ الْأُصُولِ (حُكْمُ عَدَمِ التَّرْجِيحِ لَكِنْ رُجِّحَتْ الْحُرْمَةُ) عَلَى الْإِبَاحَةِ إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَجَّحَ هُنَا أَيْضًا الْحُرْمَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَكَيْفَ لَا وَحَدِيثُ التَّحْرِيمِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْنُ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الْمِزِّيُّ ثُمَّ الذَّهَبِيُّ فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى أَنَّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا فَإِنَّ الْقِصَّةَ تُشِيرُ إلَى اضْطِرَارِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَيْضًا هُوَ مُصَرَّحٌ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ حَدِيثِ التَّحْرِيمِ فَلَوْ صَحَّ مُفِيدُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لَكَانَ نَاسِخًا لِلتَّحْرِيمِ مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ (وَالْأَقْرَبُ) فِي تَقْرِيرِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْمِثَالِ لِوُجُودِ التَّعَارُضِ الْمُلْجِئِ إلَى ذَلِكَ (تَعَارَضَتْ الْحُرْمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَالضَّرُورَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلطَّهَارَةِ) فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ وَيَشْرَبُ فِي الْأَوَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ (وَلَمْ تَتَرَجَّحْ) الطَّهَارَةُ (لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا) أَيْ الضَّرُورَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلنَّجَاسَةِ (إذَا لَيْسَ كَالْهِرَّةِ) فِي الْمُخَالَطَةِ حَتَّى تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ كَمَا سَقَطَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ الْهِرَّةَ تَلِجُ الْمَضَايِقَ دُونَهُ (وَلَا الْكَلْبِ) فِي الْمُجَانَبَةِ الْغَالِبَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ فِي الْكَلْبِ دُونَهُ (وَلَا النَّجَاسَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حُكْمِ الضَّرُورَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ خِلَافُ النَّظَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ فَالْمَاءُ كَانَ طَاهِرًا فَلَا يَتَنَجَّسُ بِمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ وَالسُّؤْرُ بِمُقْتَضَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ نَجِسٌ فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا مَشَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ

تَتْمِيمٌ ثُمَّ إذَا كَانَ الْكِتَابُ لِبَيَانِ اصْطِلَاحَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ تَكْمِيلًا وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُوَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>