للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (يُنْسَخُ الْقُرْآنُ تِلَاوَةً وَحُكْمًا أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا أَوْ حُكْمًا لَا تِلَاوَةً (وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرَ الْأَوَّلِ) أَيْ نَسْخَ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَائِزٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ النَّسْخِ (لَنَا جَوَازُ تِلَاوَةٍ وَحُكْمٍ) وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (وَمُفَادُهُ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِمَا حُكْمٌ (آخَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ حُكْمٍ آخَرَ) لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَيْسَ بَيْنَهُمَا هَذَا التَّلَازُمُ

(وَوَقَعَ) نَسْخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلَكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا» وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوُهُ، نَعَمْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ قَالَ قُلْت ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً قَالَ كَانَتْ تُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَكُنَّا نَقْرَأُ فِيهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ هَذَا الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ (ثَابِتٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ وَهُمَا إذَا زَنَيَا رُجِمَا إجْمَاعًا (وَلَقَدْ اُسْتُبْعِدَ) هَذَا (مِنْ طُلَاوَةِ الْقُرْآنِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ حُسْنِهِ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَثْبُتَ قُرْآنٌ بِالْآحَادِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُ قُرْآنٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْقُرْآنِ الْمُثْبَتِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ أَمَّا الْمَنْسُوخُ فَلَا سَلَّمْنَا لَكِنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلُهُ كَالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَنَّ أَحَدَ الْمُتَوَاتِرَيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّوَاتُرُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَنْقَطِعَ فَيَصِيرَ آحَادًا فَمَا رُوِيَ لَنَا بِالْآحَادِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَمَّا كَانَ مَوْجُودًا بِشَرَائِطِهِ وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ ثَبَتَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعُمَرَ وَأُبَيُّ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ اخْتَرَعُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يُتْلَى ثُمَّ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ بِصَرْفِ اللَّهِ الْقُلُوبَ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قُلُوبَ هَؤُلَاءِ وَسَمَاعُهُمْ كَافٍ لِكَوْنِهِ قُرْآنًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ فِي حَقِّهِمْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِالظَّنِّ وَهُوَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مَشْرُوطٌ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا فِيمَا نُسِخَ

(وَمِنْهُ) أَيْ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةُ فَقَطْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ لِابْنِ مَسْعُودٍ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (مُتَتَابِعَاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ كَمَا حَفِظَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثُمَّ انْتَسَخَتْ تِلَاوَتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَرْفِ الْقُلُوبِ عَنْ حِفْظِهِ إلَّا قَلْبَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بَاقِيًا بِنَقْلِهِ فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ الْعَمَلُ بِهِ وَقِرَاءَتُهُ لَا تَكُونُ دُونَ رِوَايَتِهِ فَكَانَ بَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَابْنِ عَبَّاسٍ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ) مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَإِنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَوَجْهُهَا مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقُرْآنِ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قِيلَ إنَّهُ كَانَ مِنْ سُورَةِ " ص " وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ رَعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةٌ وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ شَهْرًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ قَرَءُوا فِيهَا قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَلْبُهُ) أَيْ نَسْخُ الْحُكْمِ لَا التِّلَاوَةِ (آيَةَ الِاعْتِدَادِ حَوْلًا مَتْلُوَّةً وَارْتَفَعَ مُفَادُهَا) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ الْمُفَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>