للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلَيْنِ (الْإِثْمُ) إنَّمَا هُوَ (لِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ) لِلْمَشْرُوعِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) لِلْمُخَالَفَةِ لِلْمَشْرُوعِ (فِيهِمَا لَا لِنَفْسِ الْفِعْلِ) فِي الثَّانِي كَمَا فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْوَطْءِ بَلْ بِالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِ (وَلَا نُؤَثِّمُهُ) بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالنَّاسِخِ (قَبْلَ تَمَكُّنِ الْعِلْمِ) النَّاسِخِ لِعَدَمِ لُزُومِ امْتِثَالِهِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ بَلْ

(إنَّمَا يُوجَبُ) التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ إذَا فَاتَ مُقْتَضَى النَّاسِخِ (التَّدَارُكُ) لِمُقْتَضَاهُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ لَهُ بِذَلِكَ (كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمُعَيَّنِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَثَلًا (وَخُرُوجِهِ) إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرِ مُسْقِطٍ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيُقَالُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ (أَنَّ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ (قَبْلَ التَّعَلُّقِ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ (أَنَّ شَرْطَهُ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ (أَنْ يُبَلِّغَ وَاحِدًا) فَصَاعِدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ فَإِنَّهُ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ بَعْدَ تَعَلُّقِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا فَلَا تَسَاوِيَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ فَسَائِرُ الْمُكَلَّفِينَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِحْصَالِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَلِّغْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الِاسْتِحْصَالَ مِنْ جِبْرِيلَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إذَا بُلِّغَ النَّبِيُّ وَلَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ حُكْمَ النَّاسِخِ (حُكْمٌ تَجَدَّدَ) أَيْ ظَهَرَ تَعَلُّقُهُ (فَلَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ) لِلْمُكَلَّفِ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهِ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ (فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاحِدًا) مِنْهُمْ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إذَا وَصَلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ

(قُلْنَا) قَوْلُكُمْ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ وَرَاءَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ أَيْضًا، وَهَذَا الَّذِي نَمْنَعُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ لَا مَنْ لَيْسَ عَالِمًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكُفَّارُ مُكَلَّفِينَ وَمَنْ لَمْ يُبَلَّغْ التَّكْلِيفُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ غَافِلًا، وَالثَّانِي التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصُّورَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّ (بِبُلُوغِهِ وَاحِدًا حَصَلَ التَّمَكُّنُ وَلِذَا) أَيْ وَلِحُصُولِ التَّمَكُّنِ بِبُلُوغِ وَاحِدٍ (شَرَطْنَاهُ) أَيْ بُلُوغَ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ آنِفًا (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) وَهُوَ مَا إذَا بَلَّغَ النَّبِيُّ لَا الْأُمَّةَ (فَافْتَرَقَا) وَلَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَمْكَنَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ اسْتِحْصَالُهُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يُقَالُ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَلِكَ) الْوَاحِدُ (فِيهِ) أَيْ بِبُلُوغِهِ (يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ) لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَأُورِدَ أَيْضًا إنْ أُرِيدَ بِنَفْيِ الثُّبُوتِ نَفْيُ وُجُوبِ الِامْتِثَالِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ يَسْتَقِرُّ الشَّيْءُ فِي ذِمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ

(فَالْوَجْهُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِنَفْيِ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَلَّغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَبَعْضُ الْأُمَّةِ (السَّمْعُ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) بِنَاءً (عَلَى) قَوْلِ (أَبِي حَنِيفَةَ) تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ شَرْعًا مُرَتَّبَيْنِ وَاجِبٌ يُوجِبُ الْإِخْلَالُ بِهِ الدَّمَ عَمَلًا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا فِي حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الدَّمُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ لَمْ أُشْعِرْ فَفَعَلْت كَذَا أَيْ لَمْ أَعْلَمْ وُجُوبَ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ الْفِعْلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَا قَدَّمَ اعْتِذَارَهُ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْأَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ وَعَذَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ مَنَاسِكَهُمْ وَأَيْضًا وَاقِعَةُ أَهْلِ قُبَاءَ فَإِنَّهُمْ أَتَاهُمْ الْخَبَرُ بِنَسْخِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ.

هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>