للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْلِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ

(وَمِنْ) الْأَدِلَّةِ (السَّمْعِيَّةِ آحَادٌ تَوَاتَرَ مِنْهَا) قَدْرٌ هُوَ (مُشْتَرَكُ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ» وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ) بِإِضَافَةِ " مُشْتَرَكُ " إلَى مَا بَعْدَهُ وَجَرِّ " نَحْوِهِ " بِالْعَطْفِ عَلَى لَا تَجْتَمِعُ وَكَثِيرٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَتُهُ أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ عِصْمَةُ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ» وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا وَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَاتَّبِعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّتَهُ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ «لَا يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا إبْرَاهِيمَ بْنَ مَيْمُونَ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ وَبِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ جَمَاعَةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ» ، ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلْت رَبِّي أَرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا» الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا التَّابِعِيَّ الْمُبْهَمَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا طَرِيقُ الْغَزَالِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ،

(وَمِنْهَا) قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥] (وَهُوَ) أَيْ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (أَعَمُّ مِنْ الْكُفْرِ جُمِعَ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ (وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ) لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْوَعِيدِ) الشَّدِيدِ (فَيَحْرُمُ) اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْمُبَاحِ فِيهِ وَإِذَا حُرِّمَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ يَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا مَخْرَجَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعٌ لِسَبِيلِ غَيْرِهِمْ إذْ مَعْنَى السَّبِيلِ هُنَا مَا يَخْتَارُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيُعْرَفُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَالْإِجْمَاعُ سَبِيلُهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

(وَيُعْتَرَضُ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ (الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ (لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خُصُوصِ الْمُدَّعَى) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ سَبِيلَهُمْ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْ فِي مُنَاصَرَتِهِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ أَوْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَإِذَا قَامَ الِاحْتِمَالُ كَانَ غَايَتُهُ الظُّهُورَ، وَالتَّمَسُّكُ بِالظَّاهِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ مِنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] ، فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إثْبَاتًا لِلْإِجْمَاعِ بِمَا لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ إلَّا بِهِ فَيَصِيرُ دَوْرًا وَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ فِي الدَّرْسِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَقْدَحُ فِي قَطْعِيَّتِهِ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَامِّ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا فَيَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ بِطَرِيقِ الظَّنِّ.

قُلْت إلَّا أَنَّ السُّبْكِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَنْبَطَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَحَكَى أَنَّهُ تَلَا الْقُرْآنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ وَسَاقَ فِيهِ حِكَايَةً طَوِيلَةً غَرِيبَةً بِسَنَدِهِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ الْقَطْعَ فِيهِ اهـ فَإِنْ ادَّعَى الظَّنَّ فَلَا إشْكَالَ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ الْقَطْعُ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَطْعَ أَشْكَلَ بِقَوْلِهِ بِظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ هَذَا بِأَنَّ ظَنِّيَّتَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ وَهَاهُنَا قَدْ احْتَفَّ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْآيَةِ وَحْدَهَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>