للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَرَائِطِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُمْ وُقُوعًا وَمِنْ مُنَاظَرَتِهِمْ تَقْرِيرًا بِخِلَافِ هَذَا التَّوْجِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِسْبَتُهُمْ إلَى تَضْلِيلٍ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الدَّلِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الْجَوَابِ (يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ) أَيْ الشَّارِطِينَ (يُوجِبُ) عَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَيِّتِ الْمُخَالِفِ (تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ) فَإِنَّهُ كَثِيرٌ مَا اتَّفَقَ لَهُمْ خِلَافٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَسَائِلَ وَحَيْثُ يَصِحُّ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَوْلُ الْآخَرُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ تُوجِبُ التَّضْلِيلَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحَقِّيَّةَ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] وَبَيَانُ بُطْلَانِ هَذَا اللَّازِمِ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا وُجُودَ لِلْإِجْمَاعِ فِي حَيَاتِهِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ الْوُجُودِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ رَأْيَهُ كَانَ حُجَّةً قَبْلَ حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ فَإِذَا حَدَثَ انْقَطَعَ كَوْنُهُ حُجَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَضْلِيلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُزَاحِمِ لِمُجْتَهِدِينَ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُجْتَهِدِ الْمُتَقَدِّمِ.

نَعَمْ غَايَةُ مَا يَقْتَضِي هَذَا الْإِجْمَاعُ ظُهُورَ خَطَأِ الْمُخَالِفِ لِمَا حَدَثَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، ثُمَّ لَا ضَيْرَ فِيهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَلُومٍ وَلَا مَأْزُورٍ بَلْ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَضْلِيلُ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَوْ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحَقِّ لَا تَعْدُوهُمْ (وَبِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ) الْمَذْكُورِ (بَطَلَ مَا عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ) إمَامِ الْحَرَمَيْنِ (مِنْ إحَالَةِ الْعَادَةِ إيَّاهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ (لِقَضَائِهَا) أَيْ الْعَادَةِ (بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْمُعْتَقَدَاتِ وَخُصُوصًا مِنْ الِاتِّبَاعِ) لِأَرْبَابِهَا فَلَا يُمْكِنُ اتِّفَاقُهُمْ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ وُجُودُ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ) أَيْ قَضَاءَهَا بِإِحَالَةِ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا (مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ) أَنْفُسِهِمْ (لَا) وُقُوعِهِ (مِمَّنْ بَعْدَهُمْ) وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي وُقُوعِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَيْضًا غَيْرَ مُسَلِّمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخْتَلِفِينَ إذْ قَدْ يَخْفَى الصَّوَابُ لِلْمُجْتَهِدِ فِي وَقْتٍ وَيَظْهَرُ لَهُ فِي آخَرَ، وَبَعِيدٌ مِنْ الْمُتَدَيِّنِ الْإِصْرَارُ عَلَى الْخَطَأِ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ لَهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ إظْهَارُ بُطْلَانِ الِاسْتِحَالَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ لِذَلِكَ (وَمَا عَنْ الْمُجَوِّزِينَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ) أَيْ وَبَطَلَ أَيْضًا مَا عَنْ بَعْضِ الْمُجَوِّزِينَ لِانْعِقَادِهِ وَحُجِّيَّتِهِ لَوْ انْعَقَدَ مِنْ نَفْيِ وُقُوعِهِ عَادَةً إذْ هُوَ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ لِمَذْكُورٍ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُخْبِرِينَ طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ وَطَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ لَا الْوُقُوعِ.

(قَوْلُهُمْ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ الْوُقُوعِ فِي الْوُقُوعِ (تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ) الْأَوَّلِ (عَلَى تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَ) الثَّانِي (عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَتَعَارُضُهُمَا مُحَالٌ عَادَةً (قُلْنَا) تَعَارُضُهُمَا مَمْنُوعٌ إذْ (التَّسْوِيغُ) أَيْ تَسْوِيغُ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبًا) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَيَّدٍ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ التَّسْوِيغُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَحَدِهِمَا (لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ) لِلْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ أَيْ حُجِّيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا

(أَمَّا إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الْمُخْتَلِفِينَ أَنْفُسِهِمْ (بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ) الْمُسْتَقِرِّ (عَلَى أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ جَوَابًا وَاسْتِدْلَالًا فَمَنَعَهُ الْآمِدِيُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ يَتَضَمَّنُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ، وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ، وَتَضَمُّنُ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ فِي الِاخْتِلَافِ قَاطِعًا فَلَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ الْقَاطِعِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ (حُجَّةً) فِي هَذِهِ (أَظْهَرُ) مِنْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأُولَى (إذْ لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ مُخَالِفٌ لَهُمْ) فِي هَذِهِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ مِنْهُمْ أَوَّلًا (بَعْدَ الرُّجُوعِ) عَنْهُ ثَانِيًا إلَى قَوْلِ الْبَاقِينَ (لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>