للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ الَّذِي اسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَاقُونَ إلَيْهِ (اتِّفَاقُ كُلِّ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي (قَبْلَهَا) فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ (يُعْتَبَرُ فَهُمْ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْعَصْرِ الَّذِي بَعْدَهُ (كَبَعْضِ الْأُمَّةِ) فَإِنْ قِيلَ إنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُقَلِّدٌ فَمُسَلَّمٌ، وَكَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُخْتَلِفِينَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى مُقَابِلِهِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا فِي هَذِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ فِي الْحُجَّةِ ظُهُورًا وَأَظْهَرِيَّةً قُلْنَا نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا كَمَا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِخِلَافِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ إنْكَارِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَظْهَرِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَزِيدِ الْقُوَّةِ فِيهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ أَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فَجَائِزٌ وُقُوعُهُ وَيَكُونُ حُجَّةً إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِذَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَفِي الْمُخْتَلِفِ فِيهِ أَوْلَى وَالشَّرْطُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ إنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْقَرِضَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا؟ فَاخْتَارَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالصَّفِّيُّ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا لَا بِالْمَوْتِ وَالْكُفْرِ بَلْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ كُلِّ الْأُمَّةِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَالْبَاقُونَ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِيهِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ إنْ لَمْ يُسَوِّغُوا فِيهِ الِاخْتِلَافَ صَارَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُتَمَسِّكَةَ بِالْحَقِّ لَا يَخْلُو مِنْهَا زَمَانٌ وَقَدْ شَهِدَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْمَنْقُوضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا حَقًّا، وَإِنْ سَوَّغُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ لَمْ يَصِرْ إجْمَاعًا لِإِجْمَاعِ الطَّائِفِينَ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ، وَهَذَا مِنْ قَائِلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَأَمَّا إجْمَاعُهُمْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ فَإِجْمَاعٌ.

[مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ أَيْ الْإِجْمَاعِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ]

(مَسْأَلَةٌ) مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ عَلَى أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ) الدَّلِيلَ (السَّمْعِيَّ) لِحُجِّيَّتِهِ (لَا يُوجِبُهُ) أَيْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ كُلَّ الْأُمَّةِ (وَالْعَقْلِيُّ) لِحُجِّيَّتِهِ (وَهُوَ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ (لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لَمْ يَحْصُلْ) الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ بِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِ فِي شَرْعِيٍّ بِمُجَرَّدِ تَوَاطُؤٍ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ بَلْ لَا يَكُونُ قَطْعُهُمْ إلَّا عَنْ نَصٍّ قَاطِعٍ بَلَغَهُمْ فِيهِ يُوجِبُ ذَلِكَ الْحُكْمَ (لَمْ يَصِحَّ) مُثْبَتًا لِاشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي حُجِّيَّتِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي، وَأَمَّا مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ لَمَا حَصَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ حُكْمِ الْعَادَةِ فِي غَيْرِهِ ظَاهِرٌ اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي انْتِهَاضِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ دُونَ انْتِهَاضِهِ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ

(وَإِذَنْ) أَيْ وَإِذْ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُجْمِعِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ (لَا إشْكَالَ فِي تَحَقُّقِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ (لَا) اتِّفَاقَ (اثْنَيْنِ) عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِي عَصْرٍ إذَا انْفَرَدَا فِيهِ كَأَنَّهُ لِوُجُودِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا أَيْضًا فَفِي التَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَأَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَاتَّفَقُوا قَوْلًا أَوْ فَتْوًى مِنْ الْبَعْضِ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ (فَلَوْ اتَّحَدَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ (فَقِيلَ) قَوْلُهُ (حُجَّةٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>