للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طُولِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مُفْضٍ إلَى الْقَطْعِ قَالَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ مَعَ تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ.

قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَلَا أُنْكِرُ جَرَيَانَ خِلَافٍ وَقَدْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي السُّكُوتِيِّ بَلْ أَضْعَفُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودًا رَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ مَزِيدِ كَلَامٍ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا: أَوَّلُهَا: كَوْنُهُ فِي مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ إذْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَمَّارٌ أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ مَثَلًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا.

ثَانِيهَا: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ جَمِيعَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُنْكِرُوا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَرَاءَهُ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ بَلَغَهُمْ لِانْتِشَارِهِ وَشُهْرَتِهِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا وَجَعَلَهُ دَرَجَةً دُونَ الْأَوَّلِ انْتَهَى قُلْت وَجَعَلَ مَشَايِخُنَا اشْتِهَارَ الْفَتْوَى مِنْ الْبَعْضِ وَالسُّكُوتَ مِنْ الْبَاقِينَ كَافِيًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَيْضًا لَكِنَّ كَوْنَهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الِاشْتِهَارُ عَلَى الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَطْعِيٌّ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عُلِمَ بُلُوغُهُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ وَسُكُوتُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَأَمَّا مَا ظُنَّ بُلُوغُهُ إيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَظَنِّيٌّ وَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ هُوَ وَقَوْلُ الْإسْفَرايِينِيّ الْمَذْكُورُ.

الْحَالَة الثَّانِيَةِ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَلْ اُحْتُمِلَ بُلُوغُهُ وَعَدَمُهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَذَكَرَ أَنَّ عَدَمَ إنْكَارِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ فِيهِ لِعَدَمِ خَوْضِهِمْ فِي ذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَهُمْ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لَمْ يُنْقَلْ وَقِيلَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ إنْ كَانَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ كَانَ كَالسُّكُوتِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْضِ غَيْرِ الْقَائِلِ فِيهِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ مُوَافَقَةً لِلْقَائِلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ الذُّهُولِ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ كَمَا ذَكَرَ مَاشٍ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ الِانْتِشَارَ بِبُلُوغِ الْجَمِيعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّازِيِّ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ الْجَمِيعَ أَوْ لَا وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. قُلْت وَيَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ وَقَدْ عَرَفْت الْمُخْتَارَ وَغَيْرَهُ فِيهِ.

ثَالِثُهَا كَوْنُ السُّكُوتِ مُجَرَّدًا عَنْ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ أَمَارَةُ رِضًا فَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْخُوَارِزْمِي وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكُونُ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ سَخَطٍ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ السَّخَطِ. قُلْت وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ بَعِيدٌ.

رَابِعُهَا مُضِيُّ زَمَانٍ يَسَعُ قَدْرَ مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَادَةً وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَنْدَفِعَ احْتِمَالُ أَنَّ السَّاكِتِينَ كَانُوا فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ.

خَامِسُهَا أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ.

سَادِسُهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَوْ أَفْتَى وَاحِدٌ بِخِلَافِ الثَّابِتِ قَطْعًا فَلَيْسَ سُكُوتُهُمْ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَأَنَّ الْإِنْكَارَ لَا يُفِيدُ وَفِي الْمِيزَانِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الِاجْتِهَادِيَّات بَلْ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ أَمْ أَنَسٌ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَحَدِهِمَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ وَانْتَشَرَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ كَانَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فِي الْفُرُوعِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ سَوَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَالْجُبَّائِيُّ يَكُونُ إجْمَاعًا إذَا انْتَشَرَ الْقَوْلُ فِيهِمْ، ثُمَّ انْقَرَضَ الْعَصْرُ وَابْنُهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>