للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الصِّيغَةُ (الْعِلَّةُ اصْطِلَاحًا) لَا حَقِيقَةً (وَهِيَ) أَيْ الصِّيغَةُ (دَلِيلُ مَظِنَّةِ مَا تَحْصُلُ الْحِكْمَةُ مَعَهُ بِالْحُكْمِ) إذْ هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ الَّتِي شَرَعَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْلَحَةُ (فَظَهَرَ أَنَّ الرِّضَا لَيْسَ الْحِكْمَةَ) فِي التِّجَارَةِ (كَمَا قِيلَ) قَالَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّالِثِ (وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مَظِنَّةُ انْتِشَارِهِ) أَيْ الْعُدْوَانِ (إنْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ) الْقِصَاصُ (دَفْعًا لَهُ) أَيْ لِانْتِشَارِ الْعُدْوَانِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِي فَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِي الْمِثْلِ مُشَوَّشٌ (وَكَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ) أَيْ شُرِعَ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا إلَخْ (مُنَاسَبَتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصْفُ (كَذَلِكَ) أَيْ شَرْعُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ إلَخْ (الْمُنَاسِبُ فَهُوَ) أَيْ الْمُنَاسِبُ (مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ مَا) أَيْ وَصْفٌ (لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِحُكْمٍ (تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ مُنَاسِبٌ لِكَذَا أَيْ مُلَائِمٌ لَهُ (وَكَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (لِلْحِكْمَةِ اعْتِبَارُهُ) أَيْ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (وَمَعْرِفَتُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ (مَسَالِكُ الْعِلَّةِ) أَيْ طُرُقُهَا (وَشَرْطُهَا) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ شَرْطًا لِلْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (تَفَضُّلٌ) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ (لَا وُجُوبٌ) عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.

(وَهَذَا) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ تَفَضُّلًا (مَا يُقَالُ الْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ دُنْيَوِيَّةً كَمَا ذُكِرَ) مِنْ التَّرْخِيصِ بِالرُّخَصِ لِلْمُسَافِرِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْفَسَادِ (وَأُخْرَوِيَّةً لِلْعِبَادَاتِ) وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ الْجَوَّادِ الْوَهَّابِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ (وِفَاقٌ بَيْنَ النَّافِينَ لِلطَّرْدِ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً إلَّا بِالْمُنَاسَبَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُ) أَيْ التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا إذْ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّارِعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِح الْعِبَادِ أَوْ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ قِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ جَازَ (وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ) ذَلِكَ (لِظَنِّهِمْ لُزُومَ اسْتِكْمَالِهِ فِي ذَاتِهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ) حَاصِلًا لَهُ قَبْلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (ذُهُولٌ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَكُونُ (لَوْ رَجَعَتْ) الْمَصَالِحُ وَالْحُكْمُ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْأَغْرَاضِ (إلَيْهِ) تَعَالَى.

(أَمَّا) إذَا رَجَعَتْ (إلَى غَيْرِهِ فَمَمْنُوعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهَا إلَى الْعِبَادِ أَيْضًا الْتَزَمُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ رَاجَعَهَا إلَى الْعِبَادِ يَسْتَلْزِمُ كَمَالًا لَهُ فَأَجَابَ بِمَنْعِ ذَلِكَ (بَلْ هُوَ) أَيْ رَجْعُ الْمَصَالِحِ إلَى الْفُقَرَاءِ (أَثَرُ كَمَالِهِ الْقَدِيمِ) أَيْ الْمُتَّصِفِ بِهِ أَزَلًا لَا كَمَالَ حَادِثٍ لَهُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْمُتَجَدِّدِ) مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ (بِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ) أَيْ بِسَبَبِ تَعَلُّقِهَا بِهِمْ (لَازِمٌ فِي فَوَاضِلِهِ) وَإِنْعَامَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْحَاءِ (الْمُتَجَدِّدَةِ) الذَّوَاتِ وَالِاقْتِضَاءِ الْمُسْتَمِرَّةِ (فِي مَمَرِّ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَنَامِ) إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ الْعِبَادِ فَقَدْ {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ كَمَالٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْمَصَالِحِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ شَرْعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إنْزَالَ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الشَّجَرِ وَالْأَقْوَاتِ وَإِيصَالَاتِ الرَّاحَاتِ وَمَا لَا يُحْصَى إلَى مَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُوجِدَهَا (فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِيهِ) أَيْ الْمَانِعِينَ عَنْ كَوْنِ إفَاضَةِ هَذَا الْجُودِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَهُوَ (جَوَابُنَا) عَنْ كَوْنِ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَّا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَتَعْرِيفُهُمْ مَظَاهِرَ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ وَكَرْمِهِ الْعَمِيمِ وَبِهِ نَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَلَقَدْ كَثُرَتْ لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ لِكَلَامِهِمْ) كَمَا يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْكَلَامِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ تَعْلِيلَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ سِيَّمَا شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ بِالْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ ظَاهِرٌ كَإِيجَابِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالنُّصُوصُ أَيْضًا شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: ٣٢] الْآيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>