للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ (ظَنًّا) وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ وَقَعَ قَطْعًا (وَلَا) أَيْ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا (، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ) أَيْ هَذَا مَذْهَبٌ (لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ، وَالْوَقْفُ) فِي الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ الْآمِدِيُّ إلَى الْجُبَّائِيِّ (وَقِيلَ) الْوَقْفُ (فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا مَنْ غَابَ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَنَقَلَهُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَمَالَ إلَى اخْتِيَارِهِ.

وَقِيلَ: وَقَعَ لِلْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالَ: وَهُوَ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِقَامَةِ وَأَمْيَلُ إلَى الِاقْتِصَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ الْمُرَاجَعَةِ مَعَ تَنَائِي الدَّارِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّهُ الْأَقْوَى عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ (الْوَقْفُ لَا دَلِيلَ) يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ مُطْلَقًا فِي الْمُطْلَقِ وَفِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ لِلْمُقَيَّدِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ جَائِزٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ (الْمَانِعُ) مُطْلَقًا مُجْتَهِدٌ وَعَصْرُهُ (قَادِرُونَ عَلَى الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ ارْتِكَابُ طَرِيقِ الظَّنِّ) ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعِلْمِ تَمْنَعُهُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ فِي قَتْلِهِ الْقَتِيلَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَقَوْلُهُ: فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ الثَّانِيَةَ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَك أَبَا قَتَادَةَ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ جَوَابًا لِهَذَا الْقَائِلِ لَاهَا اللَّهِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَ» فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ بِحَضْرَتِهِ، وَقَدْ صَوَّبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ فِي لَاهَا اللَّهِ أَرْبَعَ لُغَاتٍ: حَذْفُ أَلْفِ هَا وَإِثْبَاتُهَا كِلَاهُمَا مَعَ وَصْلِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَقَطْعِهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَسْقَطَ إذًا مَعَ ثُبُوتِهَا فِي الرِّوَايَةِ إمَّا اخْتِصَارًا، وَإِمَّا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ثُبُوتَ الْأَلْفِ فِي أَوَّلِ إذًا وَقَالُوا: إنَّهُ تَعْبِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ قَالُوا، وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ لَاهَا اللَّهِ إلَّا مَعَ ذَا.

وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ مَعَ غَيْرِ ذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ إذَنْ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ جَوَابًا وَجَزَاءً وَهِيَ هُنَا جَوَابٌ لِقَوْلِ مَنْ طَلَبَ السَّلَبَ، وَهُوَ غَيْرُ قَاتِلٍ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَزَاءً لِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَإِلَّا لَقَالَ: إذَنْ تَعْمِدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ جَزَاءٌ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ السَّلَبَ لِأَبِي قَتَادَةَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ سَبَبٌ لِعَدَمِ الْعَمْدِ إلَى إعْطَاءِ مَا هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ لَا لِطَلَبِهِ، وَالرُّوَاةُ ثِقَاتٌ فَحَمْلُ رِوَايَتِهِمْ عَلَى التَّصْحِيفِ بَعِيدٌ، وَمِنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ: جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ فَأَرْضِهِ عَنِّي لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاهِدِ لِأَبِي قَتَادَةَ صَدَقَ فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذًا صَدَقَ أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُعْطِيك سَلَبَهُ، وَالْجَزَاءُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَبٌ فِي أَنْ لَا يَعْمِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَلَبَهُ فَيُعْطِيَهُ مَنْ طَلَبَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ (أَنَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِطَالِبِ الصَّوَابِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ مُخْتَارًا يَأْبَاهُ الْعَقْلُ) فَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ تَرْكًا لِلْيَقِينِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْجَوَازِ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ بِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَعْلَمَ أَوْ يَجْتَهِدَ فَيَحْكُمَ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الِاجْتِهَادِ بَلْ يَتِمُّ عَلَى الْجَوَازِ بِحَضْرَتِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَاجْتِهَادُ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَخْيِيرَهُ مُطْلَقًا لِعِلْمِهِ) أَيْ أَبِي بَكْرٍ (أَنَّهُ لِكَوْنِهِ بِحَضْرَتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنْ خَالَفَ) الصَّوَابَ فِي اجْتِهَادٍ (رَدَّهُ) أَيْ اجْتِهَادَهُ وَهَذَا مَفْقُودٌ إذَا كَانَ فِي غَيْبَتِهِ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَيْهِ.

(فَالْوَجْهُ جَوَازُهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِ (لِلْغَائِبِ) عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>