للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتَابِعِيًّا) دُونَ غَيْرِهِمَا وَعَزَا هَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ بِلَفْظِ، أَوْ خِيَارِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْقَاضِي لَا غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ إلَى إنْجَازِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (لِلْأَكْثَرِ الْجَوَازُ) لِلتَّقْلِيدِ (حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ (وَلَمْ يَثْبُتْ) الدَّلِيلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَلَا يَثْبُتُ) الْجَوَازُ (وَدَفْعُ) هَذَا مِنْ قِبَلِ الْمُجَوِّزِينَ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْجَوَازَ (الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ) وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ (بِخِلَافِ تَحْرِيمِكُمْ) التَّقْلِيدَ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (فَهُوَ الْمُفْتَقِرُ) إلَى الدَّلِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَثْبُتُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِي النَّسْخِ.

(وَأَمَّا) الدَّفْعُ مِنْ الْأَكْثَرِ (بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ أَصْلٌ، وَالتَّقْلِيدَ بَدَلٌ) عَنْهُ (فَيَتَوَقَّفُ) التَّقْلِيدُ (عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادُ إذْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِالْبَدَلِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْمُبْدَلِ كَالْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ (فَمُنِعَ بَلْ كُلٌّ) مِنْهُمَا (أَصْلٌ) بِمَعْنَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا كَمَا فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَغَسْلِ الرِّجْلِ (فَإِنْ تَمَّ إثْبَاتُ الْبَدَلِيَّةِ) لِلتَّقْلِيدِ عَنْ الِاجْتِهَادِ (بِعُمُومِ) قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] {يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالِاجْتِهَادِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَامِّيِّ، وَالْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ (تَمَّ) الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ (وَإِلَّا) إذَا لَمْ يَتِمَّ إثْبَاتُ الْبَدَلِيَّةِ بِهَذَا (لَا) يَتِمُّ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الثُّبُوتِ (وَاسْتُدِلَّ) لِلْأَكْثَرِ (لَا يَجُوزُ) التَّقْلِيدُ (بَعْدَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (فَكَذَا) لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (لِوُجُودِ الْجَامِعِ) فِي الْمَنْعِ بَيْنَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ الْجَامِعُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقَلِّدِ (مُجْتَهِدًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوجِبَ (فِي الْأَصْلِ) أَيْ الْعِلَّةِ بِالِاجْتِهَادِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ (إعْمَالُ الْأَرْجَحِ، وَهُوَ ظَنُّ نَفْسِهِ) بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ ظَنِّهِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ صَادِقًا فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَا كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا.

وَاحْتَجَّ (الشَّافِعِيُّ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُجْتَهِدِ بِهِمْ لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُمْنَعُ الشَّخْصُ مِنْ الِاهْتِدَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَبْعُدُ) الِاحْتِجَاجُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا (لَمْ يَثْبُتْ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ ثَبَتَ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ) فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ حَيْثُ قَالَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَدْيٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَنَاوَلَهُ (قُلْت) : لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ مَنْعَ الْمُجْتَهِدِ الْغَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِنْ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ يُقَرِّرُ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءً كَانَ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ، أَوْ مُجْتَهِدًا قَبْلَ اجْتِهَادِهِ، أَوْ بَعْدَهُ لِلصَّحَابِيِّ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا، أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ «بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» لَكِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ إذْ لَا تَقْلِيدَ لَهُ بَعْدَهُ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ إذْ لَا تَقْلِيدَ إلَّا لِمُجْتَهِدٍ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَدَا هَذَيْنِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِمَنْعِ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مُثْبِتًا لِجُزْءِ الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ جَوَازُ تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ لِمُجْتَهِدٍ صَحَابِيٍّ إذْ الْمَطْلُوبُ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الْمُجَوِّزُ) لِلتَّقْلِيدِ مُطْلَقًا قَالَ هُوَ وَمُوَافِقُوهُ أَوَّلًا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ فَقَالَ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: ٤٣] أَيْ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] فَيُفِيدُ وُجُوبَ سُؤَالِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ جَوَازُ اتِّبَاعِ الْمَسْئُولِ فِيمَا أَجَابَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلسُّؤَالِ فَائِدَةٌ وَلَا مَعْنَى لِجَوَازِ تَقْلِيدِهِ إلَّا الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّائِلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا أَصْلًا بَلْ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ.

(وَقِيلَ الِاجْتِهَادُ لَا يَعْلَمُ) الْمُجْتَهِدُ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ فَشَمِلَهُ طَلَبُ سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ فَشَمِلَهُ أَيْضًا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ سُؤَالُ غَيْرِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اجْتِهَادِهِ أَيْضًا فَكَانَ مَعَ مُجْتَهِدٍ غَيْرِهِ كَمُجْتَهِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>