للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الدَّعْوَى (أَنَّهُ) أَيْ التَّفْوِيضُ (لَمْ يَقَعْ وَاعْتِرَافٌ بِالْخَطَأِ) فِي نَفْيِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ نَافِيهِ (فَالْحَقُّ أَنَّهُ) أَيْ التَّفْوِيضُ (وَقَعَ وَلَا يُنَافِي) وُقُوعَهُ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُتَعَبَّدٌ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ مَأْمُورٌ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ حُضُورِ الْوَاقِعَةِ وَعَدَمِ النَّصِّ (؛ لِأَنَّ وُقُوعَ التَّفْوِيضِ فِي أُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يُنَافِيهِ) أَيْ كَوْنَهُ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ وُقُوعُهُ فِي الْكُلِّ (وَإِذَنْ فَكَوْنُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كَذَلِكَ) أَيْ فُوِّضَ إلَيْهِ (فِي الْإِذْخِرِ) فَيُجَابُ بِهِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ بَلْ وَلَا فِي جُزْئِيَّاتٍ خَاصَّةٍ ثُبُوتُهُ كُلِّيًّا (أَسْهَلُ مِمَّا تَكَلَّفَ) فِي أَجْوِبَتِهِ مِنْ الْوَحْيِ، أَوْ النَّسْخِ الَّذِي كَلَمْحِ الْبَصَرِ الْمُقَارِنِ لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ الْحَادِثَةَ لَا يَرْتَسِمُ فِيهَا الْمَعَانِي الْمُتَبَايِنَةُ دُفْعَةً بَلْ عَلَى التَّعَاقُبِ (وَأَقْرَبُ إلَى الْوُجُودِ) .

قُلْت: غَيْرَ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُصَنَّفَ يُوهِمُ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ كَوْنُ مَحِلِّ النِّزَاعِ هُوَ الْوُقُوعَ كُلِّيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَنَازَعُ فِي جَوَازِهِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي وُقُوعِهِ ثَانِيًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ مَانِعِيهِ وَمَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ لَا جَوَازُ التَّفْوِيضِ فِي الْجُمْلَةِ أَوَّلًا ثُمَّ وُقُوعُهُ ثَانِيًا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ مَانِعِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ الْأَبْلَجُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْوُقُوعُ بِثُبُوتِ سَمْعٍ يُفِيدُهُ الْمُكَلَّفُ، أَوْ مُجْتَهِدٌ، أَوْ بُنِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْقَطْعُ بِانْتِفَائِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ انْتِفَاؤُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ مَعَ مَا يَشُدُّهُ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ فِي جُزْئِيَّاتٍ خَاصَّةٍ عَنْ وُقُوعِهِ لَهُ كُلِّيًّا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ هَذَا وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ أَوْرَدَهَا مُتَكَلِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ فَقَدْ وُجِدَ انْتَهَى، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ]

(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ) كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالزُّبَيْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَنْعِ الْخُلُوِّ عَنْهُ مُطْلَقًا وَلِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي مَنْعِهِ الْخُلُوَّ عَنْهُ مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ بِتَزَلْزُلِ الْقَوَاعِدِ، فَإِنْ تَدَاعَى بِأَنْ أَتَتْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى جَازَ الْخُلُوُّ عَنْهُ (قُلْت) : وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُطْلِقِينَ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دُونَ هَذَا (لَنَا لَا مُوجِبَ) لِمَنْعِهِ.

(وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ مُوجِبِ الْمَنْعِ (بَلْ دَلَّ عَلَى الْخُلُوُّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ» وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (إلَى قَوْلِهِ «حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، أَوْ حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ، أَوْ رُءُوسًا جُهَّالًا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالسِّتَّةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْعِلْمِ قَبْضُهُ (قَالُوا) أَيْ الْحَنَابِلَةُ أَوَّلًا (قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِدُونِ لَفْظِ عَلَى الْحَقِّ وَابْنُ وَهْبٍ بِلَفْظِ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ (أَوْ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَوَيْنَا مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ الْمُزَنِيّ بِلَفْظِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو إسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِ ذَمِّ الْكَلَامِ وَهِيَ لَفْظَةٌ شَاذَّةٌ فَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْخُلُوِّ إلَى الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطِهَا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ طَائِفَةٍ عَلَى الْحَقِّ فِي عَصْرٍ مُسْتَلْزِمٌ وُجُودَ الْعِلْمِ، وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِالْحَقِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْعِلْمِ فَيَكُونُ الْمُجْتَهِدُ مَوْجُودًا فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (أُجِيبَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ أَعَمُّ مِنْ الضَّرُورِيَّةِ، وَالْعَامُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَاصَّ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ (لَا يَقَعُ) خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (وَإِلَّا لَزِمَ كَذِبُهُ) لَوْ وَقَعَ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْحَدِيثُ يُفِيدُهُ) أَيْ عَدَمَ الْوُقُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>