للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَنِّفُ: (وَهَذَا) الْوَجْهُ (يَتَوَقَّفُ) عُمُومُهُ لِلْعَالِمِ (عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَهِّلِينَ) لِلِاجْتِهَادِ (كَذَلِكَ) أَيْ اتِّبَاعُ الْمُفْتِينَ بِلَا إبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ لَهُمْ (قَالُوا) أَيْ شَارِطُو تَبْيِينِ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ: الْقَوْلُ بِلُزُومِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ (يُؤَدِّي إلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْخَطَأِ) لِجَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ (قُلْنَا وَكَذَا لَوْ أَبْدَى) الْمُفْتِي صِحَّةَ الْمُسْتَنَدِ لِجَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ بَلْ الظَّنَّ (وَكَذَا الْمُفْتِي نَفْسُهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ اجْتِهَادٍ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأِ عَلَيْهِ (فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ) عَنْ هَذَيْنِ فَهُوَ (جَوَابُنَا) إذَا لَمْ يُبْدِ صِحَّةَ الْمُسْتَنَدِ (وَالْحِلُّ الْوُجُوبُ لِاتِّبَاعِ الظَّنِّ أَوْ الْحُكْمِ) الْمَظْنُونِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظْنُونٌ) وَمِنْ حَيْثُ هُوَ اتِّبَاعُ الظَّنِّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَطَأٌ يَحْرُمُ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ (لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ خَطَأٌ) وَهَذَا هُوَ الْمُمْتَنِعُ (نَعَمْ لَوْ سَأَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَفْتِي (عَنْ دَلِيلِهِ) اسْتِرْشَادًا لِتُذْعِنَ نَفْسُهُ لِلْقَبُولِ لَا تَعَنُّتًا (وَجَبَ إبْدَاؤُهُ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ إلَّا إنْ) كَانَ دَلِيلُهُ (غَامِضًا) عَلَى الْمُسْتَفْتِي (مَعَ قُصُورِهِ) عَنْهُ فَإِنَّ إبْدَاءَهُ لَهُ حِينَئِذٍ تَعَبٌ فِيمَا لَا يُفِيدُ فَيَعْتَذِرُ بِخَفَائِهِ عَلَيْهِ.

وَفِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ مَا مُلَخَّصُهُ: الْعِلْمُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ وَيُعْلَمُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالْمُتَوَاتِرِ فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَحَدٍ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَتَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَتَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُقُّ عَلَى الْعَامِّيِّ مَعْرِفَتُهُ وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَمِنْهُ أَهْلِيَّةُ الْمُفْتِي وَنَوْعٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ، وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْعَامِّيُّ الصِّرْفُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ جَمِيعِهَا وَلَا يَنْفَعُهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ لَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِهَادٍ وَعَنْ الْأُسْتَاذِ وَالْجُبَّائِيِّ يَجُوزُ فِي الِاجْتِهَادِيَّةِ دُونَ مَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ إلْحَاقًا لِقَطْعِيَّاتِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ. الثَّانِي الْعَالِمُ الَّذِي حَصَّلَ بَعْضَ الْعُلُومِ الْمُعْتَبَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ الصِّرْفِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِطَرِيقِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ صَلَاحِيَّةَ مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ إلْحَاقِهِ هُنَا بِالْعَامِّيِّ فِيهِ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا فِي أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ الْمُتَبَحِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُنَصِّبُوا أَنْفُسَهُمْ نَصْبَةَ الْمُقَلِّدِينَ وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَا إشْكَالَ فِي إلْحَاقِهِمْ بِالْمُجْتَهِدِينَ إذْ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا سِوَى حَالَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُلْتَزِمُونَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا أَمَّا كَوْنُهُمْ مُجْتَهِدِينَ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ قَائِمَةٌ بِهِمْ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُلْتَزِمِينَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا فَلِأَنَّ إحْدَاثَ مَذْهَبٍ زَائِدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لِفُرُوعِهِ أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ مُبَايِنَةٌ لِسَائِرِ قَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ لِاسْتِيعَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَائِرَ الْأَسَالِيبِ نَعَمْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ تَقْلِيدُ إمَامٍ فِي قَاعِدَةٍ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ إمَامَهُ لَكِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ لِكَمَالِ نَظَرِ مَنْ قَبْلَهُ. الثَّالِثُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا مُسْتَوْفًى.

(تَتْمِيمَ) ثُمَّ فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَذَكَر بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْحَنَابِلَةَ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ وَالْأَخْذُ بِرُخْصِهِ وَعَزَائِمِهِ؟ . فِيهِ وَجْهَانِ: أَشْهُرُهُمَا لَا كَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَخَيَّرُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي لُزُومِ الْأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ طَاعَةُ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَتُوُقِّفَ فِي جَوَازِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ فِي زِيَادَةِ عِلْمٍ أَوْ تَقْوًى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَإِنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ، وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ مَا ظَنَّهُ أَقْوَى عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ فِيهِ اهـ. وَقَدْ سَمِعْت مُوَافَقَةَ ابْنِ الْمُنِيرِ لِهَذَا آنِفًا غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ وَسَتَقِفُ فِي هَذَا عَلَى مَزِيدٍ فِيهِ مُقْنِعٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ]

(مَسْأَلَةٌ: الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا) لِلْإِفْتَاءِ (وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ) لَهُ (وَعَلَى امْتِنَاعِهِ) أَيْ الِاسْتِفْتَاءِ (إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ فَضْلًا عَنْ ظَنِّ عَدَمِهِمَا جَمِيعًا (فَإِنْ جَهِلَ اجْتِهَادَهُ دُونَ عَدَالَتِهِ فَالْمُخْتَارُ مَنْعُ اسْتِفْتَائِهِ) بَلْ نَقَلَ فِي الْمَحْصُولِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا (لَنَا الِاجْتِهَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>