للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ فَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّانِعِ إنَّهُ رَدَّهُ لِرَبِّهِ، بَلْ الْقَوْلُ لِرَبِّهِ بِيَمِينِهِ. وَأَمَّا مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ - كَدَابَّةٍ دَفَعَهَا رَبُّهَا لِمَنْ يَعْلَمُهَا بِأَجْرٍ وَادَّعَى رَدَّهَا - فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ فِي رَدِّهَا.

وَلَمَّا كَانَ لَهُمْ مَسَائِلُ مِنْ الْإِجَارَةِ تُشْبِهُ الْجَعَالَةَ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهَا الْأَجِيرُ أُجْرَتَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:

(وَالْأَصَحُّ) الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ (أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ) ، إنَّمَا يُسْتَحَقُّ (بِالْبَلَاغِ) إلَى الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَطِ: أَيْ مَعَ إمْكَانِ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَإِنْ غَرِقَتْ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ بَعْدَ الْبَلَاغِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهَا وَهِيَ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ لَا جَعَالَةٌ.

ــ

[حاشية الصاوي]

رَبُّهُ أَخْذَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الضَّمَانِ وَالصَّانِعَ قَبَضَ مَا فِيهِ صَنْعَتُهُ وَيُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ.

قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ فِي رَدِّهَا] : أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوْثِيقِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ رَدًّا وَلَا تَلَفًا.

تَنْبِيهٌ: إنْ ادَّعَى الصَّانِعُ الِاسْتِصْنَاعَ كَصَبَّاغٍ صَبَغَ الثَّوْبَ، وَقَالَ رَبُّهُ سُرِقَ مِنِّي، فَإِنْ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ دَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا اسْتَصْنَعَهُ إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ وَإِلَّا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَدَفَعَ لِلصَّانِعِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ اخْتَارَ تَغْرِيمَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا حَلَفَا وَبُدِّئَ الصَّانِعُ، وَقِيلَ يَبْدَأُ رَبُّهُ وَاشْتَرَكَا إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا وَقَضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ فَقَالَ اللَّاتُّ: أَمَرْتنِي أَنْ أَلِتَّهُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ مِنْ سَمْنٍ، وَقَالَ رَبُّهُ: مَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ أَصْلًا بَلْ سُرِقَ مِنِّي أَوْ غُصِبَ فَلَا يَحْلِفَانِ وَلَا يَشْتَرِكَانِ، بَلْ يُقَالُ لِرَبِّهِ ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ ادْفَعْ لَهُ مِثْلَ السَّوِيقِ غَيْرَ مَلْتُوتٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ.

[الْأَحْوَال الَّتِي تَسْتَحِقّ فِيهَا الْأُجْرَة بِتَمَامِ الْعَمَل]

قَوْلُهُ: [وَهِيَ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ لَا جَعَالَةٌ] : أَيْ مَا لَمْ يُصَرِّحْ عِنْدَ الْعَقْدِ بِالْجَعَالَةِ وَإِلَّا كَانَتْ جَعَالَةً غَيْرَ لَازِمَةٍ وَلَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا كَمَا يَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>