للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢] وَقِيلَ إنَّهُ فِيهِ كَإِسْتَبْرَقٍ فَارِسِيَّةٌ لِلدِّيبَاجِ الْغَلِيظِ وَقِسْطَاسٌ رُومِيَّةٌ لِلْمِيزَانِ وَمِشْكَاةٌ هِنْدِيَّةٌ لِلْكُوَّةِ الَّتِي لَا تَنْفُذُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَنَحْوَهَا اتَّفَقَ فِيهَا لُغَةُ الْعَرَبِ وَلُغَةُ غَيْرِهِمْ كَالصَّابُونِ وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الْعَلَمِ الْأَعْجَمِيِّ فِي الْقُرْآنِ كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُسَمَّى مُعَرَّبًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَيْثُ قَالَ غَيْرُ عَلَمٍ وَأَنْ يُسَمَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْعَلَمَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُقُوعِهِ وَعَقَّبَ هُنَا الْمَجَازَ بِالْمُعَرَّبِ لِشَبَهِهِ بِهِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ كَاسْتِعْمَالِهِمْ الْمَجَازَ فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ ابْتِدَاءً

(مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى (إمَّا حَقِيقَةٌ) فَقَطْ (أَوْ مَجَازٌ) فَقَطْ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ أَوْ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ (أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ) كَأَنْ وُضِعَ لُغَةً لِمَعْنًى عَامٍّ ثُمَّ خَصَّهُ الشَّرْعُ أَوْ الْعُرْفُ بِنَوْعٍ مِنْهُ كَالصَّوْمِ فِي اللُّغَةِ لِلْإِمْسَاكِ خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ الْمَعْرُوفِ وَالدَّابَّةِ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ

ــ

[حاشية العطار]

مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ كَانَ مِنْ أَوْضَاعِهِمْ أَوَّلًا وَفِي إدْرَاجِ لَفْظَةِ كُلٍّ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مُتَمَسَّكِ الْخَصْمِ بِأَنَّ وُجُودَ كَلِمَاتٍ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَرَبِيًّا لِصِحَّةِ إطْلَاقِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ فَإِنْ قُلْت اشْتِمَالُهُ عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِيِّ أَمْرٌ لَازِمٌ لِأَنَّ الْعَلَمَ الْأَعْجَمِيَّ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ بِلَا خِلَافٍ فَلَيْسَ كُلُّهُ عَرَبِيًّا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَعْلَامَ مِمَّا تَوَافَقَتْ فِيهَا لُغَةُ الْعَرَبِ وَلُغَةُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَمْيِيزُ الْمُسَمَّى فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ الْكُلِّيَّةِ فَالنِّزَاعُ فِيهَا فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي نَحْوِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ أُجِيبَ بِأَنَّ جَعْلَهُ أَعْجَمِيًّا بِاعْتِبَارِ سَبْقِ وَضْعِ الْعَجَمِ لَهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَى وِزَانِ أَلْفَاظِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الْعَلَمِ إلَخْ) أَيْ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا سَمِعْت.

(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُسَمَّى مُعَرَّبًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا) أَيْ بَلْ هُوَ مِنْ تَوَافُقِ اللُّغَتَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ أَعْجَمِيٌّ مَحْضٌ إنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَحَاصِلُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَأَنْ يُسَمَّى إلَخْ أَنْ بَيَّنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَوْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ تَنَافِيًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ ثَمَّ عَلَى كَلَامِهِ هُنَا.

وَقَدْ يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ هُنَا تَعْرِيفٌ لِلْمُعَرَّبِ الْمُخْتَلَفِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ كَاللِّجَامِ وَالْيَاقُوتِ وَالسَّمُّورِ إذْ الْعَلَمُ الْأَعْجَمِيُّ مُعَرَّبٌ قَطْعًا لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُعَرَّبًا لِجَوَازِ اتِّفَاقِ اللُّغَتَيْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ عَجَمِيَّتُهُ حَتَّى مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لِأَصَالَةِ وَضْعِهَا قَالَهُ زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ اسْتَعْمَلَتْهُ إلَخْ) الْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ.

(قَوْلُهُ: فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ لَهُ ابْتِدَاءً) وَإِنْ وَضَعُوهُ لَهُ ثَانِيًا وَعَلَى هَذَا الْمُعَرَّبُ لَا يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْهُ وَلَمْ تَسْتَعْمِلْهُ لِعَلَاقَةٍ وَقَدْ يُقَالُ مُوَافَقَةُ الْعَجَمِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَضْعِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً

[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

(قَوْلُهُ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إلَخْ) فَالْبَحْثُ هُنَا فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَذَلِكَ غَيْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَلَا الْمَجَازِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ بِخِلَافِ تَقْسِيمِ اللَّفْظِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ جُمْلَةِ الْمَعَانِي.

(قَوْلُهُ: خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْإِمْسَاكِ الْمَخْصُوصِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَهُوَ حَقِيقَةٌ وَكَذَا اسْتِعْمَالُ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ الْفَرَسِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا لُغَةً.

وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْعَامِّ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ.

وَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْمَجَازِ فِي شَيْءٍ كَمَا إذَا رَأَيْت زَيْدًا فَقُلْت رَأَيْت إنْسَانًا أَوْ رَأَيْت رَجُلًا فَلَفْظُ إنْسَانٍ أَوْ رَجُلٍ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيمَا وُضِعَ لَهُ لَكِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْخَارِجِ عَلَى زَيْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>