للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ سَهْلٍ إلَى عُسْرٍ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ كَنَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] إلَخْ.

(وَ) يَجُوزُ النَّسْخُ (بِلَا بَدَلٍ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لَكِنْ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ وَقَعَ كَنَسْخِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [المجادلة: ١٢] إلَخْ إذْ لَا بَدَلَ لِوُجُوبِهِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْوُجُوبِ بَلْ بَدَلُهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ هُنَا بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ.

(مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ) وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ غَيْرَ الْعِيسَوِيَّةِ بَعْضَهُمْ فِي الْجَوَازِ، وَبَعْضَهُمْ فِي الْوُقُوعِ وَاعْتَرَفَ بِهِمَا الْعِيسَوِيَّةُ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ

ــ

[حاشية العطار]

بِتَوَجُّهِ الْكَعْبَةِ وَمِثَالُ الثَّانِي نَسْخُ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا لَا يُنَافِي مَا اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ فِي الْوَصْفِ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الثَّقِيلَ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَثْقَلِ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: بِعَدَدِ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ؛ إذْ الْحَقُّ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سَلَّمْنَا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا فِي الْحِكْمَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ أَوْ تَفْصِيلًا إنْ رُوعِيَتْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَهَا؛ إذْ يَكْفِي فِي رِعَايَتِهَا زِيَادَةُ الثَّوَابِ فِي الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

قَوْلُهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: ١٨٤] إلَخْ أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ - بِدُونِ تَقْدِيرِ لَا فِيهَا قَبْلَ يُطِيقُونَهُ لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ - مَنْسُوخَةٌ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَّا الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ بِلَا نَسْخٍ فِي حَقِّهِمَا كَمَا قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ يَطُوقُونَهُ أَيْ: يُكَلَّفُونَ بِهِ فَلَا يُطِيقُونَهُ اهـ. زَكَرِيَّا.

وَمَا أَوَّلَ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يُفْطِرُ وَيَفْدِي» حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ الْمَصْلَحَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً، وَهِيَ التَّخْفِيفُ.

(قَوْلُهُ: إذَا نَاجَيْتُمْ) أَيْ الدَّالُّ عَلَيْهِ إذَا نَاجَيْتُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ) وَالْفِعْلُ هُنَا هُوَ التَّصْدِيقُ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ النَّسْخِ بِلَا بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَدَلٌ لِذَاتِ النَّسْخِ (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ هُنَا) إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِي غَيْرِ مَا هُنَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْوُجُوبَ نَسْخٌ.

[مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ]

(قَوْلُهُ: وَاقِعٌ) أَيْ وَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوُقُوعِ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ) نَبَّهَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى أَنَّ حِكَايَةَ خِلَافِ الْيَهُودِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا لَا يَلِيقُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِيمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي اخْتِلَافِ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَمَّا حِكَايَةُ خِلَافِ الْكُفَّارِ فَالْمُنَاسِبُ لِذِكْرِهَا أُصُولُ الدِّينِ اهـ. كَمَالٌ وَمُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إلَى أَنَّ شَرِيعَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَيِّدِنَا عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَيْسَا نَاسِخَيْنِ لِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي كُلِّيَّاتِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِرْقَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ نَقْلًا تَمَسُّكًا بِأَنَّهُمْ وُجِدُوا فِي التَّوْرَاةِ تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لَا تُنْسَخُ شَرِيعَتِي وَمِنْهُمْ مِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَقْلًا مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ دَلِيلُ حُسْنِهِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ دَلِيلُ قُبْحِهِ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ النَّسْخِ يُؤَدِّي إلَى الْبَذَاءِ وَالْجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ أَنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُ اسْتِحْلَالَ الْأَخَوَاتِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَوَازَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَلَّتْ لَهُ وَالْيَوْمَ حُرِّمَ نِكَاحُ الْجُزْءِ كَنِكَاحِ الْبِنْتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَجَوَازَ اسْتِرْقَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>