للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَهُوَ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ بَعْدَ وَفَاةِ) نَبِيِّهَا (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَصْرٍ عَلَى أَيِّ أَمْرٍ كَانَ) وَشَرَحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدَّ بَانِيًا عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَسَائِلِ الْمَحْدُودِ وَنَاهِيك بِحُسْنِ ذَلِكَ.

فَقَالَ (فَعُلِمَ اخْتِصَاصُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُجْتَهِدِينَ) بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِصَاصُ بِهِمْ (اتِّفَاقٌ)

ــ

[حاشية العطار]

أَوْ دُنْيَوِيًّا كَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ اهـ.

زَكَرِيَّا وَنُوقِشَ تَعَلُّقُهُ بِالثَّالِثِ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْأَلْفَاظِ أَوْ الْمَسَائِلِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِنَّمَا الَّذِي مِنْهَا الِاتِّفَاقُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يَقَعُ مَوْضُوعًا لِلْمَسَائِلِ وَلَوْ جُعِلَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَكَانَ أَحْسَنَ. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوَّلُ مَنْ بَاحَ بِرَدِّ الْإِجْمَاعِ النَّظَّامُ، ثُمَّ تَابَعَهُ طَوَائِفُ مِنْ الرَّوَافِضِ، وَقَدْ يُطْلِقُ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُلَبَّسٌ فَإِنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ الْقَائِمِ صَاحِبِ الزَّمَانِ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً فِي جُمْلَةِ الْأَقْوَالِ فَهُوَ الْحُجَّةُ وَبِهِ التَّمَسُّكُ وَعُمْدَةُ نُفَاةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْعُقُولَ لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي مَقْدُورِ اللَّهِ أَنْ تَجْتَمِعَ أَقْوَامٌ لَا يُعْصَمُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْخَطَأِ عَلَى نَقِيضِ الصَّوَابِ فَإِذًا لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مُتَعَلِّقٌ فِي انْتِصَابِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَتَبُّعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَيَتَعَيَّنُ انْتِفَاءُ الْقَاطِعِ فِيهَا أَنَّ الْقَاطِعَ نَصُّ الْكِتَابِ أَوْ نَصُّ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ عَرِيَّةٌ عَنْهُمَا فَلَا دَلِيلَ إذًا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ مُخَيَّلٌ بَالِغٌ فِي فَنِّهِ إنْ لَمْ نَسْلُكْ الْمَسْلَكَ الْمُرْتَضَى، ثُمَّ ذَكَرَ مُتَمَسَّكَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ وَأَخَذَ فِي تَقْرِيرِهَا وَبَيَانِهَا بِكَلَامٍ نَفِيسٍ جَزْلٍ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْعُقُولَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمْعِيَّاتِ قَاطِعٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ فَلَا مَعْنَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرَّدُّ وَالْإِجْمَاعُ عِصَامُ الشَّرِيعَةِ وَعِمَادُهَا وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهَا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَالطَّرِيقُ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَخْ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا مُحَصِّلُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ فَقَالَ مَطْمَعٌ فِي مَسْلَكٍ عَقْلِيٍّ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ مِنْ السَّمْعِ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ وَلَا نَصُّ كِتَابٍ وَإِثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ تَهَافُتٌ وَالْقِيَاسُ الْمَظْنُونُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَهَذِهِ مَدَارِكُ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يَبْقَ وَرَاءَهَا إلَّا مَسَالِكُ الْعُرْفِ فَلَعَلَّنَا نَتَلَقَّاهُ مِنْهُ فَنَقُولُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُجْتَهِدِ الْأُمَّةِ) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لَا الدَّعْوَةِ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَالْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى مِنْ أَيِّ الْمُجْتَهِدِ مِنْهُمْ فَيَصْدُقُ بِوَاحِدٍ وَسَيَأْتِي يَقُولُ وَلَوْ انْحَصَرَ اجْتِهَادًا إلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا حُذِفَتْ يَاؤُهُ لِلْإِضَافَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا اتَّفَقَا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ

(قَوْلُهُ: فِي عَصْرٍ) أَيْ أَيَّ عَصْرٍ كَانَ كَمَا يُفِيدُهُ التَّنْكِيرُ فَيَقْتَضِي جَوَازَ بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَعْنَاهُ زَمَنٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَفَائِدَتُهُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يَرِدُ مِنْ تَرْكِ هَذَا الْقَيْدِ مِنْ لُزُومِ عَدَمِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: مُعْظَمُ مَسَائِلِ الْمَحْدُودِ) أَيْ لَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَكَوْنِهِ قَطْعِيًّا وَكَوْنِ خَرْقِهِ حَرَامًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمُعْظَمَ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً بِجَعْلِ السِّتِّ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّ إجْمَاعَ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى آخِرِ السِّتِّ وَاحِدَةً، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بِجَعْلِهَا سِتَّةً وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالْبِنَاءِ فِي جَمِيعِهَا مَا عَدَا ثَلَاثَةً فَذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلَالِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَمَّا السُّكُوتِيُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إمَامٌ مَعْصُومٌ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَإِنَّمَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهَا فَاعْتَنَى بِهِ لِكَوْنِهِ أَهَمَّ وَغَيْرُ الْمُعْظَمِ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَنَاهِيك بِحُسْنِ ذَلِكَ) نَاهِي خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَبِحُسْنِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ حُسْنُ ذَلِكَ نَاهِيك عَنْ الِالْتِفَاتِ لِغَيْرِهِ، أَوْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَنَاهِي خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ نَاهِيك بِسَبَبِ حُسْنِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ لِلْمُصَنِّفِ أَوْ لِمَصْنُوعِهِ وَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ.

[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُجْتَهِدِينَ]

(قَوْلُهُ: بِالْمُجْتَهِدِينَ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>