للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ (مِنْ مُسْتَنَدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَيْدِ الِاجْتِهَادِ) الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ (مَعْنًى وَهُوَ الصَّحِيحُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا مُسْتَنَدٍ خَطَأٌ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى صَوَابٍ وَادَّعَى قَائِلُهُ وُقُوعَ صُوَرٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْآمِدِيِّ فِي قَوْلِهِ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ دُونَ الْوُقُوعِ.

(مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّنَدُ وَاجِبًا فِي الْإِجْمَاعِ لَكَانَ هُوَ الْحُجَّةُ فَلَا يَكُونُ لِلْإِجْمَاعِ فَائِدَةٌ حِينَئِذٍ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ كَشْفُهُ عَنْ وُجُودِ دَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ كَيْفِيَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ وَأَيْضًا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ دَلِيلَيْنِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ فَائِدَةُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ السَّنَدِ سُقُوطُ الْبَحْثِ وَصَرْفُ الْمُخَالَفَةِ وَصَيْرُورَةُ الْحُكْمِ قَطْعِيًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَدِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا وَأَنَّهُ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ قِيَاسًا عَلَى إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ دِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِأَمْرِ دُنْيَانَا وَذَهَبَ الشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا جَوَازُ كَوْنِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَرْجِعُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مِنْ الْمُسْتَنَدَاتِ فَإِنْ أُرِيدَ مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ تُفْصِحُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُجُودَ مَعْنًى تَقْصُرُ عَنْهُ عَادَةُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا.

[مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُ الْإِجْمَاعِ]

(قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فَبَيِّنٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مُمْكِنٌ وَالْمُرَادُ إمْكَانُهُ عَادَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَمَا ذُكِرَ هُنَا يُعْلَمُ بَعْضُهُ مِنْ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِهِ فَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ وَأَيْضًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ وَاشْتَدَّ كَلَامُ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَكِيرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَتَعَدَّى حَدَّ الْإِنْصَافِ قَلِيلًا وَنَحْنُ نَسْلُكُ مَسْلَكًا فِي اسْتِيعَابِ مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ حَتَّى إذَا لَاحَتْ نِهَايَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَضَحَ مِنْهَا دَرْكُ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الَّذِينَ مَنَعُوا تَصَوُّرَ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا قَدْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَرَفَعْتَهَا وَعُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ مُتَبَاعِدُونَ فِي الْأَمْصَارِ وَمُعْظَمُ الْبِلَادِ الْمُتَبَايِنَةِ لَا تَتَوَاصَلُ الْأَخْبَارُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَتَدَرَّجُ الْمُنْدَرِجُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ بِسَفَرَاتٍ وَتَرَبُّصَاتٍ وَلَا يُنْفَقُ انْتِهَاضُ رُفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمُدَّتُهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَفْعُ مَسْأَلَةٍ إلَى جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَالَمِ، ثُمَّ كَيْفَ يُفْرَضُ اتِّفَاقُ آرَائِهِمْ فِيهَا مَعَ تَفَاوُتِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَتَبَايُنِ الْمَذَاهِبِ وَالْمَطَالِبِ وَأَخْذِ كُلِّ جِيلٍ صَوْبًا فِي أَسَالِيبِ الظُّنُونِ، فَتَصْوِيرُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ بِمَثَابَةِ تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ الْعَالَمِينَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمٍ عَلَى قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ وَأَكْلِ مَأْكُولٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي اطِّرَادِ الْعَادَةِ نَعَمْ إنْ انْخَرَقَتْ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُثْبِتُ الْكَرَامَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ الِاجْتِمَاعُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ زَادُوا إبْهَامًا آخَرَ فَقَالُوا لَوْ فُرِضَ الْإِجْمَاعُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ النَّقْلُ عَنْهُمْ عَلَى التَّوَاتُرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَقَدْ أَسْنَدُوا كَلَامَهُمْ إلَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ فِي الْعُسْرِ أَوَّلُهَا تَعَذُّرُ عَرْضِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَافَّةِ وَالْأُخْرَى عُسْرُ اتِّفَاقِهِمْ وَالْحُكْمُ مَظْنُونٌ

وَالثَّالِثَةُ تَعَذُّرُ النَّقْلِ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا، وَاخْتَتَمُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى مَذْهَبٍ فَمَا الَّذِي يُؤْمَنُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَيْهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ إلَى أَنْ يُطْبَقَ النَّقْلُ طَبْقَ الْأَرْضِ فَهَذِهِ عُيُونُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ مُتَّبِعًا مَسَالِكَهُمْ نَحْنُ نَرَى إطْبَاقَ جِيلٍ مِنْ الْكُفَّارِ يَرْبُو عَدَدُهُمْ عَلَى عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ يُدْرَكُ بِأَدْنَى فِكْرٍ بُطْلَانُهَا فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ إجْمَاعُ أَهْلِ الدِّينِ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَدْنَا فَرْضَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ إجْمَاعَ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسَائِلِ مَعَ تَبَاعُدِ الدِّيَارِ وَتَنَائِي الْمَزَارِ وَانْقِطَاعِ الْأَسْفَارِ فَبَطَلَ مَا زَخْرَفَهُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>