للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهَا فِي ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ يَحْكِي مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ لَمْ يُرِدْ بِالْوَصْفِ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ فَالْفَاءُ فِيمَا ذُكِرَ لِلسَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعِلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الصَّرِيحِ لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَالْعَاقِبَةِ فِي اللَّامِ وَالتَّعْدِيَةِ فِي الْبَاءِ وَمُجَرَّدِ الْعَطْفِ فِي الْفَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْحُرُوفِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ (إنَّ) الْمَكْسُورَةُ الْمُشَدَّدَةُ نَحْوُ {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا - إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ} [نوح: ٢٦ - ٢٧] الْآيَةَ (وَإِذْ) نَحْوُ ضَرَبْت الْعَبْدَ إذْ أَسَاءَ أَيْ لِإِسَاءَتِهِ (وَمَا مَضَى فِي الْحُرُوفِ) أَيْ مَبْحَثِهَا مِمَّا يَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَهُوَ بَيْدَ وَحَتَّى وَعَلَى، وَفِي وَمِنْ فَلْتُرَاجَعْ، وَإِنَّمَا فَصَلَ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَمِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأُصُولِيُّونَ وَاحْتِمَالُ إنَّ لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَأَنْ تَكُونَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا تَكُونُ إذْ وَمَا مَضَى لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْحُرُوفِ.

(الثَّالِثُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ

ــ

[حاشية العطار]

دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ اسْتِدْلَالِيَّةٌ، وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي لَفْظِ الرَّاوِي مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَهَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفِي الظُّهُورَ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: إنَّهَا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَلَامِ الرَّاوِي الْفَقِيهِ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْحُكْمِ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فَإِنَّهَا فِيهِ قَدْ تَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي فَاقْطَعُوا؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ إيجَابٍ اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ بِالْوَصْفِ إلَخْ) أَيْ بَلْ أَرَادَ بِهِ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ، وَهُوَ السُّجُودُ الْمَأْخُوذُ مِنْ فَسَجَدَ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ بِصَدَدِ وَصْفِ أَيْ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ الْحُكْمِ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ وَأَوْرَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَيْفَ عُمِلَ بِقَوْلِ الرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الْأَلْفَاظِ لُغَةً لَا يُرْجَعُ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ نَحْوِ هَذَا مَنْسُوخٌ؛ وَلِهَذَا إذَا قَالَ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا يُعْمَلُ بِهِ حَمْلًا عَلَى الرَّفْعِ لَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَمَنْ مَنَعَ فِي هَذَا إنَّمَا قَالَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَالْفَاءُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلسَّبَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعِلِّيَّةِ فَفِي الْأَخِيرِ مَثَلًا الْمَعْنَى فَبِسَبَبِ سَهْوِهِ سَجَدَ.

وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى رَدِّ اعْتِرَاضِ الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبَيْضَاوِيَّ جَعَلَ الْفَاءَ مُطْلَقًا مِنْ قَبِيلِ الْإِيمَاءِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ التَّابِعُ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَقْعَدُ مِنْ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ التَّابِعِ لِلْمَحْصُولِ اهـ. زَكَرِيَّا.

وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ هَكَذَا الثَّانِي الْإِيمَاءُ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ - تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ، وَتَكُونُ فِي الْوَصْفِ أَوْ فِي الْحُكْمِ إمَّا فِي لَفْظِ الشَّارِعِ أَوْ فِي لَفْظِ الرَّاوِي، مِثْلُ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ، «لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا» ، زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ، وَوَفَّقَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَمَّا احْتَاجَتْ دَلَالَةُ الْفَاءِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إلَى النَّظَرِ لَمْ تَكُنْ وَضْعِيَّةً صِرْفَةً؛ فَلِذَا جَعَلَهَا مِنْ الْإِيمَاءِ وَلَمَّا دَلَّتْ عَلَى التَّرْتِيبِ بِالْوَضْعِ جَعَلَهَا غَيْرَهُ مِنْ أَقْسَامِ مَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ اهـ.

وَطَرِيقُ النَّظَرِ أَنْ يُقَالَ: الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ عَقِيبَ مَا رَتَّبَ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُ سَبَبِيَّتُهُ لِلْحُكْمِ إذْ لَا تَعْنِي بِهَا سِوَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ) أَيْ مِنْ اللَّامِ وَالْبَاءِ وَالْفَاءِ (قَوْلُهُ: لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ) يَرِدُ عَلَيْهِ كَيْ فَإِنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهَا قَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَقْدُورِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ وَالتَّعْدِيَةُ فِي الْبَاءِ اللَّائِقُ بِتَمْثِيلِهِ لِلْبَاءِ أَنْ يُقَالَ: وَالْمُقَابَلَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثَالِهِ مُحْتَمَلَةٌ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَالْبَعْدِيَّةُ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأُصُولِيُّونَ) أَيْ مُتَقَدِّمُوهُمْ فَلَا يُنَافِي ذِكْرَ بَعْضِ مُتَأَخِّرِيهِمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَالِكِ قِيلَ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ فِي التَّعْلِيلِ إنَّمَا يَكُونُ لِقَرِينَةٍ فَلَا يَصْدُقُ تَعْرِيفُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً أَيْ ظَاهِرَةً بِطَرِيقِ الْوَضْعِ كَالْأَسَدِ أَوْ الْعُرْفِ كَالْغَائِطِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا، وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ مُؤَوَّلٌ (قَوْلُهُ: وَاحْتِمَالُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَأَنْ يَكُونَ.

[الثَّالِثُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ]

(قَوْلُهُ: الْإِيمَاءُ) أَيْ مِنْ الشَّارِعِ إلَى الْعِلَّةِ فَتَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ اقْتِرَانُ إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>