للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ) وَهُوَ مَنْ صَادَفَ الْحَقَّ فِيهَا لِتَعَيُّنِهِ فِي الْوَاقِعِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَثُبُوتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ.

(وَنَافِي الْإِسْلَامِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَنَافِي بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُخْطِئٌ آثِمٌ كَافِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ (وَقَالَ الْجَاحِظُ وَالْعَنْبَرِيُّ لَا يَأْثَمُ الْمُجْتَهِدُ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ الْمُخْطِئُ فِيهَا لِلِاجْتِهَادِ (قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا) فَهُوَ عِنْدَهُمَا مُخْطِئٌ غَيْرُ آثِمٍ (وَقِيلَ زَادَ الْعَنْبَرِيُّ) عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ (كُلٌّ) مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِيهَا (مُصِيبٌ) وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمَا قَبْلَ ظُهُورِهِمَا.

(أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا)

ــ

[حاشية العطار]

لَاهَا اللَّهِ ذَا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ الرَّأْيِ دُونَ الْوَحْيِ وَصَوَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ صَدَقَ» أَيْ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا لَاهَا اللَّهِ فَالْأَصْلُ لَا وَاَللَّهِ حَذَفَ الْوَاوَ وَعَوَّضَ عَنْهُ حَرْفَ التَّنْبِيهِ وَذَا مَقْسَمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلِيلِ، وَالْمَعْنَى وَلَا وَاَللَّهِ لِلْأَمْرِ ذَا فَحُذِفَ الْأَمْرُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْقَسَمِ مُؤَكَّدًا كَأَنَّهُ قَالَ ذَا قَسَمِي وَالْمُرَادُ بِأَسَدٍ أَبُو قَتَادَةَ وَالْخِطَابُ فِي فَيُعْطِيك لِلرَّجُلِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّلَبُ وَيَطْلُبُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْضَاءَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ ذَلِكَ السَّلَبِ، وَفَاعِلُ يُعْطِي وَيَعْمِدُ ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ]

(قَوْلُهُ: فِي الْعَقْلِيَّاتِ) أَيْ فِيمَا دَلِيلُهُ عَقْلِيٌّ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُخْتَلِفِينَ دُونَ الْمُجْتَهِدِينَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ فِي الْأُصُولِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ (قَوْلُهُ: لِتَعَيُّنِهِ فِي الْوَاقِعِ) أَيْ بِخِلَافِ الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا اتِّفَاقًا وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ؛ لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ بَحْثٌ إذْ الْبَعْضُ صَادِقٌ بِالْأَعْمَالِ الْفَرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا سَيَجِيءُ هُوَ الْأَعْمَالُ قَوْلِيَّةٌ أَوْ فِعْلِيَّةٌ وَالْأَعْمَالُ الْفَرْعِيَّةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَمِنْهَا مَا هُوَ اجْتِهَادِيٌّ وَهَذَا فِي ثُبُوتِ الْخَطَإِ فِيهِ خِلَافٌ وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ كُفْرِهِ وَلَا إثْمَ فِيهِ اهـ. نَاصِرٌ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا سَيَأْتِي الَّذِي هُوَ الْأَعْمَالُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِيمَانُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِبَعْضِهِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرُورَةً أَنَّهَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الْإِسْلَامِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِطْلَاقُ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ غَيْرُ عَزِيزٍ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ، وَلَوْ سَلَّمَ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَعْلُومُ التَّخْصِيصِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي خَاتِمَةِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ فَحَاصِلُ مَا هُنَا مَعَ هُنَاكَ عَامٌّ وَخَاصٌّ أَوْ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَلَا إشْكَالَ فِيهِمَا بِوَجْهٍ وَلَا فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْآخَرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَثِمَ) أَتَى بِهِ لِتَصِحَّ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِ الْعَنْبَرِيِّ وَالْجَاحِظِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ) وَعَدَمُ مُصَادَفَةِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَنَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ النَّظَرِيَّاتُ قَطْعِيَّةٌ وَظَنِّيَّةٌ وَالْقَطْعِيَّةُ كَلَامِيَّةٌ وَأُصُولِيَّةٌ وَفِقْهِيَّةٌ وَنَعْنِي بِالْكَلَامِيَّةِ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ السَّمْعِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِ وَصِفَاتِهِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئُ آثِمٌ فَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَكَافِرٌ وَإِلَّا فَآثِمٌ مُخْطِئٌ مُبْتَدِعٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ وَلَا يَلْزَمُ الْكُفْرُ.

وَأَمَّا الْأُصُولِيَّةُ كَمِثْلِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَدِلَّتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَالْمُخَالِفُ فِيهَا آثِمٌ مُخْطِئٌ، وَأَمَّا الْفِقْهِيَّةُ فَالْقَطْعِيَّاتُ مِنْهَا مِثْلُ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَكُلُّ مَا عُلِمَ قَطْعِيًّا مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ فَإِنْ أَنْكَرَ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً مِنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَكَافِرٌ، وَإِنْ عُلِمَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ كَحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْفِقْهِيَّاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَآثِمٌ مُخْطِئٌ لَا كَافِرٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْحَقَّ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مُخْطِئٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُخْطِئًا أَنْ يَكُونَ آثِمًا وَلَا مِنْ كَوْنِهِ آثِمًا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَكَوْنُهُ آثِمًا كَافِرًا لَمْ تُذْكَرْ عِلَّتُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْجَاحِظُ وَالْعَنْبَرِيُّ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ قِيلَ آثِمٌ.

وَأَمَّا مُقَابِلُ مُخْطِئٌ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَقِيلَ زَادَ الْعَنْبَرِيُّ كُلُّ مُصِيبٍ فَفِي كَلَامِهِ نَشْرٌ وَلَفٌّ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا) أَيْ مُنْتَسِبًا إلَى الْإِسْلَامِ وَمُدَّعِيًا لَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ كَافِرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>