للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ فِي إعَادَةِ النَّظَرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ إذْ لَوْ أَخَذَ بِجَوَابِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ لَكَانَ آخِذًا بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَهُوَ فِي حَقِّهِ قَوْلُ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ ثِقَةٌ بِبَقَائِهِ عَلَيْهِ الِاحْتِمَالِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ مِنْ دَلِيلٍ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ نَصٍّ لِإِمَامِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا.

(مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ (أَقْوَالٌ) أَحَدُهَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مُشْتَهِرًا مُتَكَرِّرًا مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، ثَانِيهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ كَالْأَدِلَّةِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ فَكَمَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْأَدِلَّةِ يَجِبُ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالرَّاجِحُ مِنْهَا قَوْلُ الْفَاضِلِ يَعْرِفُهُ الْعَامِّيُّ بِالتَّسَامُعِ وَغَيْرِهِ (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ يَجُوزُ لِمُعْتَقِدِهِ فَاضِلًا) غَيْرَهُ (أَوْ مُسَاوِيًا) لَهُ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولًا كَالْوَاقِعِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ هَذَا التَّفْصِيلُ الْمُخْتَارُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ (لَمْ يَجِبْ الْبَحْثُ عَنْ الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ

ــ

[حاشية العطار]

لَا يُقَالُ فَلِمَ صُنِّفَتْ الْكُتُبُ وَاعْتُبِرَتْ مَعَ فَنَاءِ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لِاسْتِفَادَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِمَعْرِفَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ أَيْ جَوَازُ الْإِفْتَاءِ لِلْمُقَلَّدِ الْمَيِّتِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ أَيْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي زَمَانِنَا إذْ لَيْسَ فِي الزَّمَانِ مُجْتَهِدٌ فِي الْأَحْكَامِ لِلْآمِدِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا عَلَى مَأْخَذِ أَقْوَالِ إمَامِهِ قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا مُتَمَكِّنًا مِنْ الْجَمْعِ، وَالْفَرْقُ وَالنَّظَرُ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهَا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ. قَالَ الْبُدَخْشِيُّ وَالْحَقُّ فِي إفْتَاءِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِفْتَاءِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي الْمَذْهَبِ لَا بِطَرِيقِ نَقْلِ الْكَلَامِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ، الرَّابِعُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يُسَمَّى بِالْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَإِنْ أُرِيدَ نَقْلُ الْعَدْلِ الْغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عَنْ مُجْتَهِدٍ كَأَنْ يَقُولَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فَلَا نِزَاعَ فِي قَبُولِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ كَمَا سَبَقَ، وَأَمَّا فِي الْإِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَظُنَّ الْمُسْتَفْتِي عِلْمَ الْمُفْتِي وَعَدَالَتَهُ إمَّا بِالْأَخْبَارِ أَوْ بِأَنْ رَوَاهُ مُنْتَصِبًا لِلْفَتْوَى، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُؤَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ فَإِذَا ظَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ أَوْ عَدَمَ عَدَالَتِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَسْتَفْتِيهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَلْحَقُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ كَالشَّاهِدِ الْمَجْهُولِ عَدَالَتُهُ وَالرَّاوِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعِلْمِ مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ فَقِيلَ بِالِامْتِنَاعِ لِعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي مَجْهُولِ الْعِلْمِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَجْهٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ فَيَلْحَقُ الْعَالِمُ الْمُجْتَهِدُ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: بِجَوَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِجَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ.

[مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ]

(قَوْلُهُ: الْمَفْضُولِ أَيْ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا بِحَسَبِ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ فِي الْفَتْوَى لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُرَاجَعُونَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ فَاضِلًا) فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ كَرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَثْرَةِ الْمُسْتَفْتِينَ لَهُ وَقِلَّةِ الْمُسْتَفْتِينَ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَالْوَاقِعِ) أَيْ كَمَا أَنَّهُ مَفْضُولٌ فِي الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَفْضُولٌ فِي الْوَاقِعِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ فَقَوْلُهُ كَالْوَاقِعِ حَالَ كَوْنِهِ مُمَاثِلًا لِلْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبْ الْبَحْثُ إلَخْ) إنْ قُلْت هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا فَيُشْكِلُ تَخْصِيصُهُ بِالثَّالِثِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ أَعْنِي مِنْ ثَمَّ قُلْت التَّقْدِيمُ لِلِاهْتِمَامِ وَلَوْ سَلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>