للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْمُعْجِزَةُ) الْمُؤَيَّدُ بِهَا الرُّسُلُ (أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ) بِأَنْ يَظْهَرَ عَلَى خِلَافِهَا كَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ وَإِعْدَامِ جِيلٍ وَانْفِجَارِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ (مَقْرُونٌ بِالتَّحَدِّي) مِنْهُمْ (مَعَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ) مِنْ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْخَارِقِ (وَالتَّحَدِّي الدَّعْوَى) لِلرِّسَالَةِ فَخَرَجَ غَيْرُ الْخَارِقِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْخَارِقُ مِنْ غَيْرِ تَحَدٍّ وَهُوَ كَرَامَةُ الْوَلِيِّ

ــ

[حاشية العطار]

مِنْ رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ وَرُسُلُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْبَشَرِ وَعَامَّةُ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الْمَلَائِكَةِ اهـ.

وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ نَسَبَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ عَقَائِدِ الْعَضُدِ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِ الْأَكْثَرُ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ فِطْرِيَّةٌ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُمْ عَنْهَا بِخِلَافِ عِبَادَةِ الْبَشَرِ فَإِنَّ لَهُمْ مُزَاحِمَاتٌ كَثِيرَةٌ فَتَكُونُ عِبَادَتُهُمْ أَشَقُّ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا قَالَ وَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ إسَاءَةَ الْأَدَبِ مَعَ الْمَلَكِ كُفْرٌ وَمَعَ آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتْ بِكُفْرٍ فَيَكُونُ الْمَلَكُ أَفْضَلَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَلَكِ أَشْرَفَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مُنَاسَبَتِهِ مَعَ الْمَبْدَإِ فِي النَّزَاهَةِ وَقِلَّةِ الْوَسَائِطِ لَا عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ بِمَعْنَى كَوْنِهِ أَكْثَرَ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ اهـ.

وَالْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ نُورَانِيَّةٌ أُعْطُوا قُدْرَةً عَلَى التَّشَكُّلِ وَعَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ مَعْصُومُونَ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْفِسْقِ لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ وَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ أَنَّ طَاعَاتِ الْمَلَائِكَةِ كُلَّهَا مُحَتَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْرُغُونَ مِنْ تَوْظِيفٍ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ التَّطَوُّعُ قَالَ فَمَقَامُ «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ» الْحَدِيثَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْبَشَرِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُمْ لَا يَتَشَكَّلُونَ فِي صُوَرِ بَعْضِهِمْ فَلَا يَتَشَكَّلُ جِبْرِيلُ بِصُورَةِ مِيكَائِيلَ وَلَا الْعَكْسُ وَهَذَا بِخِلَافِ أَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ فَيُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ. اهـ.

ثُمَّ لَا يُشْكِلُ الْقَوْلَ بِعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ قِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا رَجُلَانِ سُمِّيَا مَلَكَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمَلَائِكَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قِرَاءَةُ كَسْرِ اللَّامِ وَقِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأُرْسِلَا فِتْنَةً وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا عِصْيَانٌ وَعَذَابٌ وَقَوْلُهُمْ {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: ٣٠] لَيْسَ غِيبَةً لِمُعَيِّنٍ وَلَا اعْتِرَاضًا بَلْ مُجَرَّدُ اسْتِفْهَامٍ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَدَمُ عِصْمَةِ مَلَائِكَةِ الْأَرْضِ وَسَمَاءِ الدُّنْيَا اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ اسْتَقَرَّ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي عِصْمَتِهِمْ وَفِي فَضْلِهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَا قَاطِعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْجِزَةُ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَجْزِ الْمُقَابِلِ لِلْقُدْرَةِ وَحَقِيقَةُ الْإِعْجَازِ إثْبَاتُ الْعَجْزِ اُسْتُعِيرَ لِإِظْهَارِهِ ثُمَّ أُسْنِدَ مَجَازًا إلَى مَا هُوَ سَبَبُ الْعَجْزِ وَجُعِلَ اسْمًا لَهُ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلنَّقْلِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَلَّامَةٍ (قَوْلُهُ: أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ) هَاهُنَا قَيْدٌ مَطْوِيٌّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِدَعْوَاهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِدَلَالَةِ التَّحَدِّي عَلَيْهِ الْتِزَامًا فَإِنَّ التَّحَدِّيَ طَلَبُ الْمُعَارَضَةِ فِي شَاهِدِ دَعْوَاهُ وَلَا شَهَادَةَ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِقُ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ الْمَطْوِيُّ الْخَارِقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مُوَافِقًا لَهَا كَنُطْقِ الْجَمَادِ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ.

فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ النُّبُوَّةَ وَقَالَ مُعْجِزَتِي أَنْ يَنْطِقَ هَذَا الْجَمَادُ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ صِدْقُهُ بَلْ ازْدَادَ اعْتِقَادُ كَذِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُعْجِزَتِي أَنِّي أُحْيِي هَذَا الْمَيِّتِ فَأَحْيَاهُ ثُمَّ نَطَقَ الْمَيِّتُ بِأَنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٍ فَإِنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِأَنَّ مُعْجِزَتَهُ هِيَ إحْيَاؤُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لِدَعْوَاهُ وَالْحَيُّ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَكَلَّمُ بِاخْتِيَارِ مَا شَاءَ وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْجِزَةُ هِيَ النُّطْقُ مُطْلَقًا لَكِنَّ ذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ضِمْنِ هَذَا الْكَلَامِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ الصَّادِرُ عَنْ الْجَمَادِ مُعْجِزَةً وَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُعْجِزَةً ثُمَّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَارِقِ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ مُعْجِزَتِي أَنْ تُخْرَقَ الْعَادَةُ عَلَى الْإِجْمَالِ فَيَحْصُلُ خَارِقٌ مَا وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا ثَمَرَةَ لَهُ الْآنَ لِخَتْمِ الرِّسَالَةِ (قَوْلُهُ: بِالتَّحَدِّي) قَالَ شَيْخِي زَادَهْ فِي حَوَاشِي الْبَيْضَاوِيِّ التَّحَدِّي طَلَبُ الْمُعَارَضَةِ مِنْ صَاحِبِك بِإِتْيَانِهِ مِثْلَ مَا فَعَلْته أَنْتَ يُقَالُ تَحَدَّيْتُ فُلَانًا إذَا بَارَيْتُهُ فِي فِعْلٍ وَنَازَعْتُهُ الْغَلَبَةَ فِيهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحُدَاءِ فَإِنَّ الْحَادِيَيْنِ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ وَيُغَنِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ وَالْحُدَاءُ وَالْحَدْوُ سَوْقُ الْإِبِلِ وَالْغِنَاءُ لَهَا يُقَالُ حَدَوْتُ الْإِبِلَ حَدْوًا وَحُدَاءً إذَا سُقْتُهَا مَعَ الْغِنَاءِ لَهَا اهـ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ بِالتَّحَدِّي مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>