للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشِّرَاءَ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكَ مَا اشْتَرَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ وَفَهْمِهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ كَامِلُ النَّظَرِ قَوِيُّ الدِّينِ وَالْفِكْرِ وَرُبَّمَا يُخَيَّلُ عَلَى النَّاظِر أَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لَكَانَ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ لِلْمِلْكِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ فِيمَا رَأَيْت أَحَدٌ بَلْ الْمِلْكُ إذَا ثَبَتَ لَا يُعَارِضُهُ شِرَاءٌ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ غَايَتُهُ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِنْ أَثْبَتَ مِلْكَهُ لَهُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنْ سَقَطَتَا ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ لِلْحَائِزِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْبَحْثُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِّهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ رَفْعُ مِلْكٍ إلَخْ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ مَا هُنَا وَكَذَلِكَ فِي حَدِّهِ الْمِلْكَ وَالصَّوَابُ أَنَّ ثَمَّ أُمُورًا تُوجِبُ الْمِلْكَ وَقَدْ عَدَّدُوهَا وَثَمَّ أُمُورًا لَا تُوجِبُ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةً وَهِيَ لَا تَخْفَى وَثَمَّ أُمُورًا تُوجِبُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ سَحْنُونَ فِيمَنْ حَضَرَ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ سُوقٍ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا كَانَتْ لِصَاحِبِهَا مِلْكًا قَالَ وَإِنْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهَا مِلْكٌ وَهَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا وُلِدَ عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ كَمَا يَجِبُ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْقَصْدِ لِكَمَالِ الْفَائِدَةِ أَدَامَ اللَّهُ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ الشَّامِلَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي قَوْلِهِ الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ لِلْحَائِزِ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَالْعِفَاصِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمِلْكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرُوا وِلَايَةُ التَّحْكِيمِ وِلَايَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا وَهِيَ خَاصَّةٌ بِمَوَاضِعَ وَكَذَلِكَ وِلَايَةُ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ ذَكَرُوا الْحَكَمَيْنِ فِي الصَّيْدِ وَهِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ (قُلْتُ) ذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي رَسْمِهِ إذَا تَأَمَّلْته وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلَّفُونَ أَنَّ أَرْكَانَ الْقَضَاءِ سِتَّةٌ الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْمَقْضِيُّ فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ (قُلْتُ) هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلْقَضَاءِ الْمَحْدُودِ لَا أَرْكَانٌ لَهُ لِأَنَّهَا حِسِّيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

<<  <   >  >>