للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بَابٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا حَصَّلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَوْنُهُ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا ذَكَرًا عَاقِلًا وَاحِدًا قَوْلُهُ " حُرًّا " أَخْرَجَ بِهِ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَقَدْ نُقِلَ ابْنُ زَرْقُونٍ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجُوزُ تَوْلِيَتُهَا لِلْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَظُنُّ ذَلِكَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَقَدْ أَجَازَ وِلَايَتَهَا مُطْلَقًا قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ قَالَ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ رَدَّ عَلَى مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْهَا قَالَ يَعْنِي فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فِي شَرْطِ الْعَدَالَةِ وَالشَّهَادَةِ أَقَلُّ مَنْصِبًا مِنْ الْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمَرْأَةُ يَجُوزُ فِي حَقِّهَا فِي الْقَضَاءِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ فَغَيْرُ مَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِلشَّهَادَةِ مُنَافِرٌ لِلْقَضَاءِ فَكَمَا أَنَّ النِّكَاحَ وَالْعِتْقَ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَتُهَا فَكَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا قَضَاؤُهَا (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَدَالَةَ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِيمَا يُوجِبُ الْعَزْلَ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَا يَمْضِي حُكْمُهُ خِلَافًا لِأَصْبَغَ إذَا وَافَقَ الْحُكْمَ.

(قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ تَكُونَ الْعَدَالَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ فَانْظُرْهُ بَعْدُ وَقَوْلُهُ حُرًّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ قَوْلُهُ " وَاحِدًا " أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَاضِي مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ اتِّحَادُهُ وَتَعَدُّدُهُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ لَهُ هَذَا الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ قَالَ الشَّيْخُ وَعَدَّهُ عِيَاضٌ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَهُمْ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ مَانِعَ التَّعْدَادِ إنَّمَا هُوَ خَوْفَ تَنَاقُضِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا إلَّا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فَيَجِبُ حِينَئِذٍ إمْضَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّانِيَةِ إلَّا هَذَا قَالَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْعَ تَعَدُّدِهِمَا إنَّمَا هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمَا بِالْعَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَبْطُلُ بِانْتِفَاءِ مَظْنُونِهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ

<<  <   >  >>