للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَخْتَارَ أَنَّ الرَّسْمَ لِمُطْلَقِ رُجُوعٍ بَعْدَ الْأَدَاءِ الْعَامِلِ مِنْهُ وَغَيْرِ الْعَامِلِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِدَيْنٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ضَمَانُ الشَّاهِدَيْنِ فَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهِ (قُلْتُ) نَقَلَ سَحْنُونٌ أَنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْغَرَامَةَ تَقَعُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمَا مَنْ قَالَ لَا تَقَعُ الْغَرَامَةُ إلَّا إذَا قَالُوا زَوَّرْنَا وَأَمَّا إنْ قَالُوا وُهِمْنَا فَلَا، فَانْظُرْ ذَلِكَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا إلَى فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ مَعْنَاهُ فِي الْعَمَلِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا تَقَعُ التَّسْوِيَةُ كَالرَّاعِي يَضْرِبُ الشَّاةَ ضَرْبَ مِثْلِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي الشَّاهِدِ إنَّهُ مَطْلُوبٌ بِالشَّهَادَةِ اُنْظُرْهُ.

[بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ]

: بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى التَّعَارُضُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومٌ وَهُوَ التَّدَافُعُ وَالتَّمَانُعُ وَالتَّنَافُرُ كُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ.

وَالْبَيِّنَتَانِ هُمَا الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

(فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يُعَبِّرْ بِتَعَارُضِ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُنْدَرِجُ نَصًّا تَحْتَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ (قُلْتُ) إنَّمَا عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ الْحَدِيثَ فَلَمَّا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فِي الْقَاعِدَةِ رَاعَى الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِمَا وَقَعَ فِيهِ التَّعَارُضُ وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَدَّمْت وَقَرَّرْت أَنَّ عَادَةَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ لَفْظًا مُضَافًا يُرَاعِي الْمَعْنَى اللَّقَبِيَّ وَالْمَعْنَى الْإِضَافِيَّ إنْ وَقَعَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى لَقَبِيٍّ عَرَّفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُنَا لَمْ يُعَيِّنْ لَقَبًا وَلَا إضَافَةً (قُلْتُ) الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ هُنَا شَرْعًا يَتَقَرَّرُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فَنَاسَبَ تَفْسِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ اشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى وَفِيهِ بَحْثٌ قَوْلُهُ " اشْتِمَالُ كُلٍّ " مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا دَلَّتْ بِهِ عَلَى مُنَافَاةِ الْأُخْرَى إمَّا صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَيْنَبَ فِي وَقْتِ كَذَا فِي سَاعَةِ كَذَا وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ فَاطِمَةَ فِي وَقْتَ كَذَا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ

<<  <   >  >>