للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابٌ فِي شَرْطِ الْحَدِّ فِي الْمَقْذُوفِ الْمَنْفِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْلَامُهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِسْلَامُ فِي الْمَقْذُوفِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ وَلَا عَفَافُهُ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ لَسْت لِأَبِيك وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ جُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ لَسْت لِأَبِيك ضُرِبَ سَيِّدُهُ الْحَدَّ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَصِّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قُلْت) لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِبُلُوغٍ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفِيِّ شَرْطُ مَنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ لَا فِي أَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ قَالَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ إلَخْ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ وَبَيَانُ الرَّدِّ عَلَيْهِ مِنْ نَصِّهَا وَاضِحٌ لِأَنَّهُ فِيهَا نَصَّ عَلَى الْحَدِّ فِي نَفْيِ نَسَبِ الْعَبْدِ كَمَا قَدَّمْنَا فَصَحَّ الرَّدُّ بِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَمِنْ قَبْلَهُ وَوَقَعَ لِلَّخْمِيِّ مَا يُخَالِفُ قَوْلَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذَا.

(فَإِنْ قُلْتَ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَخْتَصُّ الْبُلُوغُ وَالْعَفَافُ بِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَصَوَّبَهُ الشَّيْخُ بِنَصِّهَا وَنَصِّ غَيْرِهَا وَكَيْفَ صَحَّ تَصْوِيبُهُ وَقَدْ أَسْقَطَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَرْمِيُّ بِالزِّنَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَيَخْتَصُّ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ عُمُومِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ مَا قَالَ وَبِهِ يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَهُ وَبَيَانُ بُطْلَانِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ أَنَّ الْعِلَّةَ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْقَذْفَ لِلْمَنْفِيِّ نَسَبُهُ لَكَانَ مِثْلَ الْمَقْذُوفِ بِفِعْلِ الزِّنَا وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ وُجُودُ شُرُوطِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي كُلِّيًّا وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنَصِّهَا بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمِثْلَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لَهُمَا فَصَحَّ أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْفِيِّ نَسَبُهُ قَوْلُهُ وَلِذَا فَرَّقَ بَيْنَ يَا ابْنِ الزِّنَى أَوْ الزَّانِيَةِ وَيَا ابْنَ زَنْيَةٍ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَذْفِ بِفِعْلِ الزِّنَا وَبَيْنَ الْقَذْفِ بِنَفْيِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِابْنِ زِنْيَةٍ فَلَا نَسَبَ لَهُ قَالَ وَلَا يَرْفَعُ هَذَا التَّفْرِيقُ التَّعَقُّبَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا مَعْنَاهُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ فِي تَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاشْتِرَاطِ فِي الْمَنْفِيِّ دُونَ أَبَوَيْهِ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَمَّنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ أَبَوَاهُ كَافِرَانِ أَوْ عَبْدَانِ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوْ يَا ابْن الزَّانِيَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ إنَّمَا هُوَ نِسْبَةُ الْكَافِرِ أَوْ الْكَافِرَةِ إلَى الزِّنَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاخْتِلَالِ شَرْطِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ الْحَدُّ فِي يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِنَسَبِهِ فَتَأَمَّلْهُ.

[بَابُ الْعَفَافِ الْمُوجِبِ حَدَّ قَاذِفِهِ]

(ع ف ف) :

<<  <   >  >>