للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ذَاتًا وَلَا مَنْفَعَةً وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هِيَ أَعَمُّ وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّهُ صَيَّرَ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّمْلِيكُ يَسْتَدْعِي لُزُومَ مَا مَلَّكَ لِلْغَيْرِ غَايَتَهُ أَنَّهُ اسْتَلْزَمَهُ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ ذَلِكَ بَلْ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ هُوَ خَاصَّتُهَا وَهُوَ اللُّزُومُ بِالْمَوْتِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ فَحَدُّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِإِرْثٍ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلٍ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى هَذَا مِنْ الْمُنَاقَشَاتِ فِي هَذَا الرَّسْمِ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ " عَقْدٌ " فَالْعَقْدُ هُنَا جِنْسٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عُقُودٌ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ " يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ " أَخْرَجَ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ.

قَوْلُهُ " يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ " هُوَ صِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهِمَا وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ " أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ " نِيَابَةً عَطْفٌ عَلَى حَقًّا مَعْنَاهُ أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ (فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ أَيْضًا أَتَى بِأَوْ فِي هَذَا الرَّسْمِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ هَذَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِرَارًا (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَوْصَى وَالْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ (قُلْتُ) فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَدُّ لِلْأَعَمِّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَوْ الِاتِّفَاقِ.

(فَإِنْ قُلْتَ) إذَا الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ وَزَادَ مَهْمَا رَجَعْت كَانَ تَجْدِيدًا لِلْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْخِلَافِ (قُلْتُ) كَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الذَّاتِ أَوْ الْعِتْقِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ بِأَنَّ فُلَانًا يَكُونُ وَصِيًّا بَعْدَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ (قُلْتُ) يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي رَسْمِهِ وَالْوَصِيُّ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُوصَى بَعْدَ مَوْتِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ عَلَى طِفْلٍ وَصِبْيَانٍ ثُمَّ أَوْصَى أَحَدُهُمَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِجَعْلِ مَا بِيَدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ (قُلْتُ) أَجَازَهُ أَشْهَبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَلك فِي النَّظَرِ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَهَلْ يُرَدُّ عَلَى حَدِّهِ (قُلْتُ) إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّدْبِيرِ فَلَا يُرَدُّ أَيْضًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.

[بَابٌ فِي الْمُوصِي]

(وص ي) :

<<  <   >  >>