للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ) كَمَاءِ زَمْزَمَ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا) أَوْ قَاعِدًا، وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ قَائِمًا تَنْزِيهًا؛

ــ

[رد المحتار]

زَادَ فِي الْمُنْيَةِ «وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ دُرَرٌ، وَالْمُرَادُ شُرْبُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَيَقُولُ عَقِبَهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ: اللَّهُمَّ اشْفِنِي بِشِفَائِك، وَدَاوِنِي بِدَوَائِك، وَاعْصِمْنِي مِنْ الْوَهَلِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْوَهَلُ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ: الضَّعْفُ وَالْفَزَعُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ مَأْثُورًا، وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ.

بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ حَوْضٍ فَهَلْ يُسَمَّى مَا فِيهِ فَضْلُ الْوُضُوءِ فَيُشْرِبُ مِنْهُ أَوَّلًا؟ فَلْيُحَرَّرْ. هَذَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ لِلشُّرْبِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْعَكْسِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَاءِ زَمْزَمَ) التَّشْبِيهُ فِي الشُّرْبِ مُسْتَقْبِلًا قَائِمًا لَا فِي كَوْنِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلِذَا قَالَ ط: الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ قَائِمًا. مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الشُّرْبِ قَائِمًا

(قَوْلُهُ: أَوْ قَاعِدًا) أَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا فِي الشُّرْبِ قَائِمًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَأَنَّ الْمَنْدُوبَ هُنَا هُوَ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ قَائِمًا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَائِمًا، وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَفِي الْفَتْحِ: قِيلَ: وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَوَاهِبِ وَالدُّرَرِ وَالْمُنْيَةِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. وَفِي السِّرَاجِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الشُّرْبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، فَاسْتُفِيدَ ضَعْفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ح وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ قَائِمًا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَا دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُسْتَحَبِّ؛ وَلِذَا زَادَ قَوْلَهُ: أَوْ قَاعِدًا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَائِمًا» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ كَبْشَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ فَقَطَعَتْ فَمَ الْقِرْبَةِ تَبْتَغِي بَرَكَةَ مَوْضِعِ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، فَلِذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ؛ فَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَارِّ حَيْثُ أَنْكَرَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْكَرَاهَةِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نَأْكُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " قَالَ: وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ لَا غَيْرُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنَّمَا كُرِهَ الشُّرْبُ قَائِمًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ شَرْعِيَّةٌ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا، وَعَلَى هَذَا إرْشَادِيَّةٌ لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ وَكَرَاهَةِ مَا عَدَاهُمَا، بِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>