للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ الْحَجُّ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ؟ قِيلَ نَعَمْ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ، وَقِيلَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ كَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَلَا قَائِلَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ وَلَوْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، نَعَمْ إثْمُ الْمَطْلِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا يَسْقُطُ، وَهَذَا مَعْنَى التَّكْفِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ»

ــ

[رد المحتار]

يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِهِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَغْفِرُ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ وَفِي غَيْرِهِ لِلْحَاجِّ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ مَنْ لَا يُقْبَلُ حَجُّهُ فَكَيْفَ يَغْفِرُ لَهُ؟ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تُغْفَرَ لَهُ الذُّنُوبُ وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، فَالْمَغْفِرَةُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْقَبُولِ، وَاَلَّذِي يُوجِبُ هَذَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [تَتِمَّةٌ] قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي رِسَالَتِهِ الْمُصَنَّفَةِ فِي تَحْقِيقِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: قِيلَ إنَّهُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْقِرَانُ وَالْأَصْغَرُ الْإِفْرَادُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ: الْأَكْبَرُ الْحَجُّ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ

(قَوْلُهُ ضَاقَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ) بِأَنْ كَانَ لَوْ مَكَثَ لِيُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى عَرَفَةَ وَلَوْ ذَهَبَ وَوَقَفَ يَفُوتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ يَدَعُ الصَّلَاةَ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَكْسَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْوُقُوفِ لِعُذْرٍ مَعَ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ تَرْكُ فَرْضٍ حَاضِرٍ لِتَحْصِيلِ فَرْضٍ آخَرَ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الرَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النُّخْبَةِ: يُصَلِّي مَاشِيًا مُومِيًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ مُسْتَحْسَنٌ. اهـ. .

[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

َ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ إلَخْ) أَيْ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأُجِيبَ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجِبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ» الْحَدِيثُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّ كِنَانَةَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ وَكِلَاهُمَا سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الشُّعَبِ، فَإِنْ صَحَّ بِشَوَاهِدِهِ فَفِيهِ الْحُجَّةُ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا دُونَ الشِّرْكِ اهـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبَعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا خَاصَّةً؟ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثُرَ خَيْرُ رَبِّنَا وَطَابَ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَسَاقَ فِيهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>