للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَفْتَى الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِالطَّلَاقِ فَأَنْشَأَ لَهُ الْغَيْرُ ظَانًّا صِحَّتَهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ. اهـ.

قُلْت: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَهِدَ بِهَا وَهُوَ لَا يَذْكُرُهَا، إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا لَا بَحْرٌ

(وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَاهُ) وَأَنْكَرَتْهُ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ حَلَفَ وَأَنْشَأَ لَهُ آخَرُ

(قَوْلُهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى إفْتَاءِ مُفْتٍ بِعَدَمِ حِنْثِهِ بِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَعَدَمِهَا لَا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ. قَالُوا: وَمِنْهُ قَوْلُ غَيْرِ الْحَالِفِ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُخْبِرُهُ بِأَنَّ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ تَنْفَعُهُ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ اهـ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْخَفَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ظَانًّا صِحَّتَهُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي لَهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْإِخْبَارِ كَمَا عَلِمْته، وَقَوْلُهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَأَفْتَى (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ ذَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونًا، فَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ مُكْرَهًا وَنَحْوَهُ فَكَيْفَ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا مَعَ ظَنِّ عَدَمِ الْحِنْثِ؟ نَعَمْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ أَوْ حَالٍّ يَظُنُّ نَفْسَهُ صَادِقًا لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ: طَلَاقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ إلَخْ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْحَالِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ.

قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْعِ أَنَّ مَنْ وَصَلَ فِي الْغَضَبِ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي فِيهَا مَا يَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَعَ أَنَّهُ مَرَّ أَوَّلَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَدْهُوشِ.

وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِيمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ مُغْتَاظٌ مَدْهُوشٌ لِأَنَّ الدَّهَشَ مِنْ أَقْسَامِ الْجُنُونِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي فِيهَا مَا يَقُولُ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَجْنُونِ، وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا هُنَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بِأَنْ لَا يَقْصِدَهُ وَلَا يَفْهَمَ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يَكُونُ كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَدْ يَنْسَى مَا يَقُولُ لِاشْتِغَالِ فِكْرِهِ بِاسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ]

مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ. (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: لَمْ يَذْكُرْ أَهُوَ بِيَمِينِهِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْكَمَالِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَيَنْبَغِي عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ يَكُونَ بِيَمِينِهِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُنْكِرْهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْهُ) أَيْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَمِثْلُهُ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَيَّدَ بِإِنْكَارِهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ.

قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَتْ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ وَلَمْ تَسْمَعْ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَسَعُهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الْوَطْءِ اهـ أَيْ فَيَلْزَمُهَا مُنَازَعَتُهُ إذَا لَمْ تَسْمَعْ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ، وَهَذَا مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ، وَإِنْ قَالُوا طَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>