للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهَا أَخْذُ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ فَأَكْثَرَ خَوْفًا مِنْ غَيْبَتِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى وَقِسْ سَائِرَ الدُّيُونِ عَلَيْهِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى مِنْ كَفَالَةِ الْبَابِ الْأَوَّلِ.

وَلَوْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا وَقَعَ عَلَى الْأَبَدِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا عِنْدَ الثَّانِي، -

ــ

[رد المحتار]

[مَطْلَبٌ فِي أَخْذِ الْمَرْأَةِ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ]

ِ (قَوْلُهُ وَلَهَا أَخْذُ كَفِيلٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبْت كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. اهـ فَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِقَدْرِ غَيْبَتِهِ، فَيَخَافُ أَنْ يَمْكُثَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْآجَالِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ الْأَكْثَرِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَغِيبُ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْحَجِّ مَثَلًا فَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهَا فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ اخْتِصَارٌ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَحَلَّيْنِ لَا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِسْ سَائِرَ الدُّيُونِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دَيْنِ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَفِي آخِرِ كَفَالَةِ الْمُحِيطِ: وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي سَائِرِ الدُّيُونِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِذَلِكَ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَرُبَ حُلُولُ الْأَجَلِ وَأَرَادَ الْمَدْيُونُ السَّفَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَفِي الصُّغْرَى الْمَدْيُونُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيبَ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ لَا يَبْعُدُ. وَفِي الْمُنْتَقَى: رَبُّ الدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي إنَّ مَدْيُونِي فُلَانًا يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا. اهـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا التَّقْيِيدُ بِالشَّهْرِ، بَلْ الْمُرَادُ الْكَفَالَةُ بِكُلِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا تَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ فَتَتَقَيَّدُ الْكَفَالَةُ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ بِأَقْسَاطِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَخْذِهَا الْكَفِيلَ مِنْهُ جَبْرًا عِنْدَ خَوْفِ الْغَيْبَةِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَصِحُّ بِهَا الْكَفَالَةُ، فَإِنْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَإِنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ وَقَعَ عَلَى الْأَبَدِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْأَبَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَرْفَقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَمُفَادُهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَتْ: إنَّهُ يُرِيدُ الْغَيْبَةَ وَطَلَبَتْ مِنْهُ كَفِيلًا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَسْتَحْسِنُ أَخْذَ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبْ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ. قَالَ: وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مَفْرُوضَةً أَوْ لَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي، وَوَفَّقَ الرَّمْلِيُّ بِحَمْلِ مَا قَبْلَهُ عَلَى حَالِ الْحُضُورِ وَحَمْلِ هَذَا عَلَى حَالِ إرَادَةِ الْغَيْبَةِ فَيَصِحُّ فِي الْغِيبَةِ مُطْلَقًا اسْتِحْسَانًا، وَعَلَيْهِ فَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِنَفَقَةِ زَوْجَةِ ابْنِهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهَا مُقَيَّدٌ بِالْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْمَقْضِيَّةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إذَا ضَمِنَ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ عَنْ زَوْجِهَا فَضَمَانُ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا بِأَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ، فَيَجُوزُ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ. اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، إذْ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَلِذَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>