للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا (إذَا سَبَى كَافِرٌ كَافِرًا) آخَرَ (بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَخَذَ مَالِهِ مَلَكَهُ)

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْوَبَرِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفَرَ بِمَالٍ وُجِّهَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً اهـ وَنَظَمَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودِعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَتْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُ مَصَارِفَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ. اهـ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هَذَا فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِكَوْنِهِ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَوَجَدَ مَا مَرْجِعُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَيِّ بَيْتٍ مِنْ الْبُيُوتِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ الْجِزْيَةِ لَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً بِطَرِيقِ الظَّفْرِ فِي زَمَانِنَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ أَخْذُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الْمَأْخُوذِ إلَى الْبَيْتِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمَصْرِفُ تَرْكِهِ بِلَا وَارِثٍ وَلُقَطَةٌ هُوَ لَقِيطُ فَقِيرٍ وَفَقِيرٌ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَقَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ.

كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَبَرِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ، لَزِمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مُسْتَحِقٌّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَلَيْسَ فِيهِ بُيُوتٌ مُرَتَّبَةٌ، وَلَوْ رَدَّ مَا وَجَدَهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَ ضَيَاعُهُ لِعَدَمِ صَرْفِهِ الْآنَ فِي مَصَارِفِهِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمُسِ، جَازَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى نَفْسِهِ بِطَرِيقِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ الْخُمُسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا مِنْهُ، وَلَهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ غَيْرِهِ كَالْعَالِمِ الْغَنِيِّ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِفَقِيرٍ مُسْتَحِقٍّ مِنْ الْخُمُسِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ أَوْ يُمَلِّكَهُ خُمُسَهَا فَقَطْ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَهَا إلَى نَفْسِهِ يَبْقَى فِيهَا الْخُمُسُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ صَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَأَصْحَابِ الْخُمُسِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا جُهِلَتْ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ صَارَ مَرْجِعُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَانْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ الْخَاصَّةُ، وَصَارَتْ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِحْقَاقًا لَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ، وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُورَثُ حَقُّهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ قَبْلَ جَهَالَةِ مُسْتَحِقِّيهَا، وَتَفَرُّقِهِمْ فَإِنَّهَا شَرِكَةٌ خَاصَّةٌ، وَحَيْثُ صَارَ مَرْجِعُهَا بَيْتَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا حَقُّ الْخُمُسِ أَيْضًا فَلِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.

وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِمُحَقِّقِ الشَّافِعِيَّةِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ قَالَ فِيهَا وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْوَالِدُ قَدْ شَرَى لِي أَمَةً لِلتَّسَرِّي فَذَاكَرَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الْعَصْرِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي أَمْرِ الْغَنَائِمِ وَالشِّرَاءِ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ لَهُ شَيْخُنَا الْوَالِدُ: نَحْنُ نَتَمَلَّكُهَا بِطَرِيقِ الظَّفْرِ لِمَا لَنَا مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَا نَصِلُ إلَيْهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَارِيَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُقْسَمْ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً قَدْ آلَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمُسْتَحِقِّيهَا، فَقَالَ شَيْخُنَا الْمَحَلِّيُّ: نَعَمْ لَكُمْ فِيهِ حُقُوقٌ مِنْ وُجُوهٍ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا]

بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَحُكْمِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْنَا فَتْحٌ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ لَا إلَى مَفْعُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَصَوَابُهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ ح أَوْ إسْقَاطُ لَفْظِ بَعْضًا كَمَا قَالَ ط (قَوْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْمَالِكِ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَى كُفَّارُ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ عَلَى الرُّومِ وَأَحْرَزُوهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>