للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ

[مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ]

وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ جَازَ الْإِفْتَاءُ وَالْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بَحْرٌ وَمُصَنَّفٌ.

(وَ) كَمَا صَحَّ أَيْضًا وَقْفُ كُلِّ (مَنْقُولٍ) قَصْدًا (فِيهِ تَعَامُلٌ) لِلنَّاسِ (كَفَأْسٍ وَقَدُومٍ) بَلْ (وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) .

ــ

[رد المحتار]

وَالْكُتُبِ وَالْمُصْحَفِ مَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ فَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَقُولُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ مُلَفَّقًا مِنْ قَوْلَيْنِ، وَالْحُكْمُ الْمُلَفَّقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَجَابَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَفَادَ جَوَازَ الْحُكْمِ الْمُلَفَّقِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحُ الْحَامِدِيَّةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ) فَإِنْ كُلًّا مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ صُحِّحَ بِلَفْظِ الْفَتْوَى كَمَا مَرَّ. .

مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ) أَيْ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي لَفْظَيْ التَّصْحِيحِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِمَا هُوَ آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِلَفْظِ الصَّحِيحِ وَالْآخَرُ بِلَفْظٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمُتُونِ أَوْ كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَانَ هُوَ الْأَرْفَقَ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ هُوَ وَمُقَابِلُهُ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرَادَ لَكِنْ إذَا قَضَى بِأَحَدِهِمَا فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لَهُ الْقَضَاءُ فِيهَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ نَعَمْ يَقْضِي بِهِ فِي حَادِثَةٍ غَيْرِهَا وَكَذَا الْمُفْتِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَطْمَحَ نَظَرِهِ إلَى مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَصْلَحُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَيْ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَا مَصْلَحَتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ. .

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْقُولٍ قَصْدًا) إمَّا تَبَعًا لِلْعَقَارِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ وَقْفِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ لِلْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ السِّيَرِ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِذَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقَدُومٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا.

مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ: بَلْ وَدَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ) عَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ، وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ زُفَرَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنْحِ: وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي زَمَانِنَا فِي الْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لَا يَخْفَى؛ فَلَا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ. مَا فِي الْمَنْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَكِنْ فِي إلْحَاقِهَا بِمَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ نَظَرٌ إذْ هِيَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَإِفْتَاءُ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِلَا حِكَايَةٍ خِلَافٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ وَأَفْتَى بِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمِنَحِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ مَمْنُوعٌ بِمَا قُلْنَا إذْ يُنْتَفَعُ بِلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ اهـ مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>