للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ كُلُّ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَخَمْرٍ وَبَوْلٍ أَصَابَهُ تُرَابٌ بِهِ يُفْتَى بِدَلْكٍ يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا (وَإِلَّا) جِرْمٌ لَهَا كَبَوْلٍ (فَيُغْسَلْ وَ) يَطْهُرُ (صَقِيلٌ) لَا مَسَامَّ لَهُ (كَمِرْآةٍ) وَظُفْرٍ وَعَظْمٍ وَزُجَاجٍ وَآنِيَةٍ مَدْهُونَةٍ أَوْ خِرَاطِي وَصَفَائِحَ فِضَّةٍ غَيْرِ مَنْقُوشَةٍ بِمَسْحٍ يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى.

ــ

[رد المحتار]

أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى؛ وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ) أَيْ: عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ، وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِذِي جِرْمٍ بَحْرٌ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْجِرْمُ الْمَرْئِيُّ مِنْ غَيْرِ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: كَخَمْرٍ وَبَوْلٍ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ ابْتَلَّ الْخُفُّ بِخَمْرٍ فَمَشَى بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ رَمَادٍ فَاسْتَجْسَدَ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ طَهُرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.

أَقُولُ: وَمُفَادَهُ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ لَيْسَ بِذِي جِرْمٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُرَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْجَفَافِ، فَالْمُرَادُ بِذِي الْجِرْمِ مَا تَكُونُ ذَاتُهُ مُشَاهَدَةً بِحِسِّ الْبَصَرِ، وَبِغَيْرِهِ مَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَا يَطْهُرُ مَحَلُّ نَجَاسَةٍ مَرْئِيَّةٍ ". (قَوْلُهُ: بِدَلْكٍ) أَيْ: بِأَنْ يَمْسَحَهُ مَسْحًا قَوِيًّا ط وَمِثْلُ الدَّلْكِ الْحَكُّ وَالْحَتُّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ. (قَوْلُهُ: يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا) أَيْ: إلَّا أَنْ يَشُقَّ زَوَالُهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا جِرْمٌ لَهَا) أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ لَا جِرْمَ لَهَا. (قَوْلُهُ: فَيُغْسَلْ) أَيْ: الْخُفُّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُغْسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُتْرَكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ وَتَذْهَبَ النَّدَاوَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللُّبْسُ. (قَوْلُهُ: صَقِيلٌ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَدِيدِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَدَأٌ أَوْ مَنْقُوشًا، وَبِقَوْلِهِ " لَا مَسَامَّ لَهُ " عَنْ الثَّوْبِ الثَّقِيلِ فَإِنَّ لَهُ مَسَامًّا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَآنِيَةٍ مَدْهُونَةٍ) أَيْ: كَالزُّبْدِيَّةِ الصِّينِيَّةِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَرَّاطِيٍّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ نِسْبَةً إلَى الْخَرَّاطِ، وَهُوَ خَشَبٌ يَخْرُطُهُ الْخَرَّاطُ فَيَصِيرُ صَقِيلًا كَالْمِرْآةِ ح (قَوْلُهُ: بِمَسْحٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَمَا عَلَى ظَهْرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ أَصَابَهُ نَجَسٌ لَهُ جِرْمٌ أَوْ لَا، رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ.

قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَوْ يَابِسَةً ذَاتَ جِرْمٍ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ وَالْمَسْحِ بِمَا فِيهِ بَلَلٌ ظَاهِرٌ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهَا مَعَ عَيْنِهَا، وَلَوْ يَابِسَةً لَيْسَتْ بِذَاتِ جِرْمٍ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَبِالْمَسْحِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ رَطْبَةً ذَاتَ جِرْمٍ أَوْ لَا فَبِالْمَسْحِ بِخِرْقَةٍ مُبْتَلَّةٍ أَوْ لَا. [تَنْبِيهٌ]

بَقِيَ مِمَّا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ، فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا مَسَحَهَا بِثَلَاثِ خِرَقٍ رَطَبَاتٍ نِظَافٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَاسَ عَلَيْهِ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْفَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيُخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانُ إلَى الثَّقْبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمَحَاجِمِ بِمَا إذَا خَافَ مِنْ الْإِسَالَةِ ضَرَرًا وَالْمَنْقُولُ مُطْلَقٌ. اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ نُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِالْمَسْحِ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا زَالَ بِهَا الدَّمُ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ مَسَحَ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ بِثَلَاثِ خِرَقٍ مَبْلُولَةٍ يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِلُزُومِ الْغَسْلِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>