للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ (صَحَّ لَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ وَهَذِهِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا تَجُوزُ بِالتَّحْكِيمِ (وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ) أَيْ التَّحْكِيمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ (كَمَا) يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ (فِي مُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ) بِلَا الْتِمَاسِ طَالِبٍ (فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِعَزْلِهِمَا لِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَ (لَا) يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى (غَيْرِهِمَا) إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَكَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَغَرِيمٌ لَهُ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَ الشَّرِيكَ تَعَدَّى لِلشَّرِيكِ الْغَائِبِ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصُّلْحِ بَحْرٌ (فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي) -

ــ

[رد المحتار]

كَمَا فِي مُقَلَّدٍ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ هَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَصِحَّةِ حُكْمِهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ بِلَا تَجْدِيدِ تَوْلِيَةٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَنَّ هَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ تَوْلِيَتِهِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ هُنَاكَ فَافْهَمْ وَهَلْ تَجْرِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْحُكْمِ؟ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا

[مَطْلَبٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ]

ُ جَازَ (قَوْلُهُ وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ) أَيْ إلَى أَنْ حَكَمَ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَأَفَادَ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَمَّا لَوْ رَجَعَا عَنْ تَحْكِيمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ عَمَّا لَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: فَحَكَمَ لِئَلَّا يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي مَتْنًا أَوْ يَذْكُرُهُ هُنَاكَ بِأَوْ لِيُدْخِلَ مَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ قَالَا رَضِينَا بِحُكْمِهِ وَأَجَزْنَاهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.

(قَوْلُهُ صَحَّ لَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ إلَخْ) شَمِلَ سَائِرَ الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْقِصَاصِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِهِ فِي حَقِّ الْقَذْفِ ضَعِيفٌ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ.

(وَقَوْلُهُ وَدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ جِرَاحَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ عَمْدًا، أَوْ كَانَتْ قَدْرَ مَا تَتَحَمَّلُهُ وَلَكِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى الرِّضَا بِمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ جَوَازُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَمِنْهُ الْقِصَاصُ لَا فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُ الْحُدُودُ.

أَقُولُ: مَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ عَدَمُ فَهْمِ الْمُرَادِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تَثْبُتُ بِالصُّلْحِ أَيْ بِأَنْ اصْطَلَحَا عَلَى لُزُومِ الْحَدِّ أَوْ لُزُومِ الْقِصَاصِ إلَخْ وَمَا سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَالْقِصَاصُ هُنَا مُصَالَحٌ عَنْهُ، وَفِي الْأَوَّلِ مُصَالَحٌ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُبَدِّلَهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ كَمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ بِنَقْضِ الْعَقْدِ وَفَسْخِهِ إذَا عَلِمَ الْآخَرُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ فِي الشَّرِكَةِ، وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ بِلَا الْتِمَاسِ طَالِبٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْفَرِدُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالتَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُدَّعِي كَمَا لَوْ أَرَادَ خَصْمُهُ السَّفَرَ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.

(قَوْلُهُ وَغَرِيمًا لَهُ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصُّلْحِ) وَالصُّلْحَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رَاضِيًا بِالصُّلْحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَحْرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>