للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ (هُوَ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْتُ بِهِ وَنَحْوَهُ، فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَا) يَكُونُ رُجُوعًا (وَ) الرُّجُوعُ (شَرْطُهُ مَجْلِسُ الْقَاضِي) وَلَوْ غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ تَوْبَةٌ وَهِيَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» (فَلَوْ ادَّعَى) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (رُجُوعَهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَبَرْهَنَ) أَوْ أَرَادَ يَمِينَهُمَا (لَا يُقْبَلُ) لِفَسَادِ الدَّعْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى وُقُوعَهُ عِنْدَ قَاضٍ وَتَضْمِينَهُ إيَّاهُمَا مُلْتَقَى أَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِرُجُوعِهِمَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي قَبْلَ وَجُعِلَ إنْشَاءً لِلْحَالِ ابْنُ مَلَكٍ (فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ) وَعُزِّرَ وَلَوْ عَنْ بَعْضِهَا لِأَنَّهُ فَسَّقَ نَفْسَهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (وَبَعْدَهُ لَمْ يُفْسَخْ) الْحُكْمُ (مُطْلَقًا) لِتَرْجِيحِهِ بِالْقَضَاءِ (بِخِلَافِ ظُهُورِ الشَّاهِدِ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ) فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَبْطُلُ وَيُرَدُّ مَا أَخَذَ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ لَوْ قِصَاصًا، وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا أَخْطَأَ فَالْغُرْمُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ)

ــ

[رد المحتار]

[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

(قَوْلُهُ فَلَوْ أَنْكَرَهَا) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ مَجْلِسُ الْقَاضِي) وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ أَوْ بِالضَّمَانِ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَبْعَدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ فَسْخٌ أَيْ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي مِنَحٌ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ التَّوْبَةُ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَى) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ اشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شُرْطِيًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ) أَيْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الدَّعْوَى) أَيْ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي شَرْطٌ لِلرُّجُوعِ فَكَانَ مُدَّعِيًا رُجُوعًا بَاطِلًا، وَالْبَيِّنَةُ أَوْ طَلَبُ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ.

(قَوْلُهُ وَتَضْمِينَهُ) أَيْ الْقَاضِي أَيْ حُكْمَهُ عَلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ (قَوْلُهُ سَقَطَتْ) أَيْ الشَّهَادَةُ فَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهَا لِتَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ لِلْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَعُزِّرَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالُوا يُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ السَّهْوِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ رُجُوعَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ إتْلَافِ الْحَقِّ أَوْ كَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَرَّهُ بِمَالٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ قَدْ يَكُونُ لِظَنِّهِ بِجَهْلِهِ أَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ بِالْغَرَامَةِ.

(قَوْلُهُ عَنْ بَعْضِهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَا بِدَارِ وَبِنَائِهَا أَوْ بِأَتَانٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ رَجَعَا فِي الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ لَمْ يَقْضِ بِالْأَصْلِ مِنَحٌ.

(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَقَوْلِي مُطْلَقًا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَ مَا شَهِدَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهَكَذَا أُطْلِقَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى.

وَفِي الْمُحِيطِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لَوْ حَالُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَا وَيُعَزَّرُ وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِهِ حَمَّادٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ الْمَذْهَبُ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ.

(قَوْلُهُ لِتَرَجُّحِهِ) الْأَوْلَى لِتَرَجُّحِهَا (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ) أَيْ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ إذَا أَخْطَأَ) وَهُنَا أَخْطَأَ بِعَدَمِ الْفَحْصِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ.

(قَوْلُهُ وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ) اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي رُجُوعِهِ مِثْلَ مَا إذَا ذَكَرَ شَيْئًا لَازِمًا لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُمَا.

وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يَسْقُطُ بِهِ ضَمَانُ الشَّاهِدِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَتْلَفَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضَفْ التَّلَفُ إلَيْهِمَا لَا يَضْمَنَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>