للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ

(الْوَكَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ) كَالْعَارِيَّةِ (فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ شَرْطٍ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي ضِمْنِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى غَرِيمٍ) وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ (فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ) كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْخَصْمِ كَمَا سَيَجِيءُ وَلَوْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً

ــ

[رد المحتار]

بِشَيْءٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا يَكُونُ نَاظِرًا عَلَى وَقْفٍ فَيُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا قَادِرًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ هُوَ عَاجِلًا وَالْأَمِينُ آجِلًا فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْأَمِينِ شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ لِيَقُومَ مَقَامَهُ وَيَأْخُذَ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بَدَلًا عَنْ الْجَعْلِ فَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْوَكَالَةِ فِي الْمَعْنَى، لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلُ الْوَاقِفِ وَهَذَا يُفْعَلُ فِي زَمَنِنَا كَثِيرًا فِي الْمُقَاطَعَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَيُسَمُّونَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا تَحَيَّلَ لَهُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاظِرُ مِنْ الْأَمِينِ مَبْلَغًا مَعْلُومًا سَلَمًا عَلَى غَلَّةِ الْوَقْفِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ مِنْ الْعُشْرِ مَثَلًا وَيَسْتَغِلُّ ذَلِكَ الْأَمِينُ غَلَّةَ الْوَقْفِ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِيَحْصُلَ لِلنَّاظِرِ نَفْعٌ بِنِظَارَتِهِ وَلِلْأَمِينِ بِأَمَانَتِهِ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ عَنْ الْوَاقِفِ فَكَأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْوَاقِفِ فِي قَبُولِ عَقْدِ السَّلَمِ وَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْغَلَّةِ الْخَارِجَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْجَائِزَ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ السَّلَمِ لَا بِقَبُولِهِ فَإِذَا أَخَذَ الدَّرَاهِمَ وَصَرَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا صَارِفًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَتَثْبُتُ الْغَلَّةُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهَا وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي.

ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بَيَانِ مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَعَ سَائِرِ شُرُوطِ السَّلَمِ وَإِلَّا يَكُونُ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

(قَوْلُهُ خِيَارُ شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ لِيَتَمَكَّنَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ فَسْخِهِ إذَا أَرَادَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَقْرِيرِ مَسْأَلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ، وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ.

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُكَ عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَفَّذِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ) تَمْثِيلٌ لِمَدْخُولِ النَّفْيِ: أَيْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي ثُمَّ غَابَ وَعَزَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّ الْمُدَّعِي ح (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ الْعَزْلَ وَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً وَالْمُبَالَغَةُ حِينَئِذٍ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَزْلُ فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُنَاقَشَةٌ.

أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ وَسَيَجِيءُ عَنْ الْعَيْنِيِّ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَيَجِيءُ أَنَّ لَهُ الْعَزْلَ فَلَيْسَ خِلَافَهُ.

وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>