للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُشْتَرَكٌ وَخَاصٌّ، فَالْأَوَّلُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ) كَالْخَيَّاطِ وَنَحْوِهِ (أَوْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا غَيْرَ مُؤَقَّتٍ) كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِيَاطَةِ فِي بَيْتِهِ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِمُدَّةٍ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لِغَيْرِهِ (أَوْ مُوَقِّتًا بِلَا تَخْصِيصٍ) كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ كَانَ مُشْتَرَكًا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي وَسَيَتَّضِحُ.

وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: اسْتَأْجَرَ حَائِكًا لِيَنْسِجَ ثَوْبًا ثُمَّ آجَرَ الْحَائِكَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ لِلنَّسْجِ صَحَّ كِلَا الْعَقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لَا الْمَنْفَعَةُ (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرَكُ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ) كَفَتَّالٍ وَحَمَّالٍ وَدَلَّالٍ وَمَلَّاحٍ، وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ

ــ

[رد المحتار]

إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ اهـ وَهَذِهِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

[بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ بَلْ إثْبَاتَ الضَّمَانِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ طُورِيٌّ.

مَبْحَثٌ لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ.

(قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ اهـ يَعْنِي لَوْ قَدَّمَ الْخَاصَّ لَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ عَنْ سَبَبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَجْهًا؛ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصِّ مَعَ كَثْرَةِ مَبَاحِثِهِ، وَأَمَّا الْخَاصُّ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْمُشْتَرَكِ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اخْتِيَارِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ، بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَتَى بِهِ وَإِنْ أَغْنَتْ عَنْهُ الْكَافُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا اسْتِقْصَائِيَّةٌ فَافْهَمْ.

قَالَ الطُّورِيُّ: وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ الْمُشْتَرَكُ الْحَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ وَالْحَائِكُ وَالْخَيَّاطُ وَالنَّدَّافُ وَالصَّبَّاغُ وَالْقَصَّارُ وَالرَّاعِي وَالْحَجَّامُ وَالْبَزَّاغُ وَالْبَنَّاءُ وَالْحَفَّارُ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي بَحْثِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ أَحَالَ تَحْقِيقَهُ عَلَى الدُّرَرِ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -

(قَوْلُهُ وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إلَخْ) أَرَادَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى حُكْمِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَحُكْمُهُمَا أَيْ الْمُشْتَرَكُ وَالْخَاصُّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ اهـ.

قَالَ أَبُو السُّعُودِ: يَعْنِي وَإِنْ نَقَضَ عَمَلَ الْأَجِيرِ رَجُلٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّقْضُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا سَيَأْتِي

١ -

(قَوْلُهُ حَتَّى يَعْمَلَ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا، فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلِّمُ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ زَيْلَعِيٌّ وَالْمُرَادُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أُمُورٍ خَارِجِيَّةٍ؛ كَمَا إذَا عَجَّلَ لَهُ الْأَجْرَ أَوْ شَرَطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>