للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا بَسَطَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمُعْتِقُ عَبْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَاؤُهُ لَهُ وَأَبُوهُ بِالْمَشِيئَةِ يُؤْجَرُ يَعْنِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَيِّتِ، فَالْوَلَاءُ لَهُ وَالْأَجْرُ لِلْأَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ وَالدَّعَوَاتُ لِأَبَوَيْهِ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ يَكُونُ الْأَجْرُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ مُضْمَرَاتٌ.

كِتَابُ

الْإِكْرَاهِ. (هُوَ لُغَةً حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى) شَيْءٍ يَكْرَهُهُ وَشَرْعًا (فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ) وَهُوَ نَوْعَانِ تَامٌّ وَهُوَ الْمُلْجِئُ بِتَلَفِ نَفْسٍ

ــ

[رد المحتار]

الْبَدَائِعِ: وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِإِسْلَامِ الْأَسْفَلِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَعَكْسُهُ.

أَقُولُ: لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اخْتِلَافِ الدِّينِ حَاصِلًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيَّةِ) أَيْ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَاؤُهُ) مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَلَهُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ " مُعْتِقُ " ط. (قَوْلُهُ: فَالْوَلَاءُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ ط. (قَوْلُهُ: وَالْأَجْرُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَتَى بِالْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ ط. مَطْلَبٌ: يَصِلُ ثَوَابُ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ " وَالْفَاعِلِ ". قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا قَاضِي الْقُضَاةِ السُّرُوجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَآخِرُ مَنْ صَنَّفَ فِيهَا شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ سَعْدُ الدِّينِ الدِّيرِيُّ كِتَابًا سَمَّاهُ [الْكَوَاكِبَ النَّيِّرَاتِ] مَحَطُّ هَذِهِ التَّأْلِيفَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْوُصُولُ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

قِيلَ فِي مُنَاسَبَتِهِ: إنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ، وَالْعِتْقَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَالْمُوَالَاةِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا فِعْلٌ) أَيْ لَا بِحَقٍّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَحٌ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، وَالْفِعْلُ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمِيَّ كَمَا إذَا أَمَرَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَلَمْ يُهَدِّدْهُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَعْلَمُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَهُ الْآمِرُ فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَسَيَجِيءُ وَيَشْمَلُ الْوَعِيدَ بِالْقَوْلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَحَلِّ) أَيْ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ ح. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ) أَيْ الْمَحَلُّ وَضَمِيرُ " بِهِ " لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ ح. (قَوْلُهُ: مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ) أَيْ بِحَيْثُ يَفُوتُ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْجَبْرِ بِحَيْثُ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ فَيَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَوْعَانِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>