للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ (هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ لِإِرْسَالِ الْأَمْطَارِ (بِلَا جَمَاعَةٍ) مَسْنُونَةٌ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ (وَ) بِلَا (خُطْبَةٍ) وَقَالَا: تُفْعَلُ كَالْعِيدِ وَهَلْ يُكَبِّرُ لِلزَّوَائِدِ؟ خِلَافٌ (وَ) بِلَا (قَلْبِ رِدَاءٍ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَ) بِلَا (حُضُورِ ذِمِّيٍّ)

ــ

[رد المحتار]

[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]

ِ هُوَ لُغَةً: طَلَبُ السَّقْيِ وَإِعْطَاءُ مَا يَشْرَبُهُ وَالِاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ. وَشَرْعًا: طَلَبُ إنْزَالِ الْمَطَرِ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَطَرُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْدِيَةٌ وَآبَارٌ وَأَنْهَارٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا وَيَسْقُونَ مَوَاشِيَهُمْ وَزَرْعَهُمْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَإِذَا كَانَ كَافِيًا لَا يُسْتَسْقَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ هُوَ دُعَاءٌ) وَذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، وَالنَّاسُ قُعُودٌ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ بِاللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا وَمَا أَشْبَهَهُ سِرًّا وَجَهْرًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَشَرْحِ أَلْفَاظِهِ فِي الْإِمْدَادِ وَزَادَ فِيهِ أَدْعِيَةً أُخَرَ (قَوْلُهُ: وَاسْتِغْفَارٌ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ الدُّعَاءُ بِخُصُوصِ الْمَغْفِرَةِ أَوْ يُرَادُ بِالدُّعَاءِ طَلَبُ الْمَطَرِ خَاصَّةً فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْمُغَايِرِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ السَّبَبُ) بِدَلِيلِ أَنْ رَتَّبَ إرْسَالَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح: ١٠] الْآيَةَ (قَوْلُهُ بِلَا جَمَاعَةٍ) كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَلَاةٌ بِلَا جَمَاعَةٍ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ح وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ أَيْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ) أَيْ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ لَا مَكْرُوهَةٌ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي السُّنِّيَّةِ لَا فِي أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ يُفِيدُ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ تَرْجِيحُهُ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُتَّجَهٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَلْيَكُنْ عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ سَوْقِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ.

فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ بِهِ إثْبَاتُ السُّنِّيَّةِ لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِسُنِّيَّتِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا قَوْلُهُ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ بَلْ هُوَ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ اهـ:

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ وَالِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ قُلْنَا: «إنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى» فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً اهـ أَيْ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ مَرَّةً مَعَ التَّرْكِ أُخْرَى يُفِيدُ النَّدْبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْعِيدِ) أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ثُمَّ يَخْطُبَ بَعْدَهَا قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا خُطْبَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَخُطْبَةً وَاحِدَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافٌ) فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ كَاسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ الزَّوَائِدَ كَمَا فِي الْعِيدِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا جَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَبَاءً جَعَلَ الْبِطَانَةَ خَارِجًا، وَالظِّهَارَةَ دَاخِلًا حِلْيَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ نَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يَقْلِبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ وَبِلَا حُضُورِ ذِمِّيٍّ) أَيْ مَعَ النَّاسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ وَحْدَهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنْ مَنَعَهُ فِي الْفَتْحِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْقُوا فَيَفْتَتِنَ بِهِ ضُعَفَاءُ الْعَوَامّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>