للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابٌ) الْبَاغِيَةُ: فِرْقَةٌ خَالَفَتْ الْإِمَامَ: لِمَنْعِ حَقٍّ، أَوْ لِخَلْعِهِ، فَلِلْعَدْلِ

ــ

[منح الجليل]

[بَاب فِي بَيَان حَدّ وَأَحْكَام الْبَاغِيَة]

(الْبَاغِيَةُ) أَيْ حَقِيقَتُهَا عُرْفًا (فِرْقَةٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا جِنْسٌ فِي التَّعْرِيفِ شَمِلَ الْمُعَرَّفَ وَغَيْرَهُ (خَالَفَتْ) الْفِرْقَةُ (الْإِمَامَ) الْأَعْظَمَ الْمُسْتَخْلَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَيْ خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَصْلٌ مُخْرِجُ مَا عَدَا الْمُعَرَّفِ إذَا خَالَفَتْهُ (لِمَنْعِ حَقٍّ) عَلَيْهَا كَزَكَاةٍ وَدِيَّةٍ وَخَرَاجِ أَرْضٍ (أَوْ لِخَلْعِهِ) أَيْ عَزْلِهِ مِنْ الْخِلَافَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَغْيُ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُتَأَوَّلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ حَقِّيَّتَهُ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ بِمُغَالَبَةٍ نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُقَاتَلَةُ، فَمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مُغَالَبَةٍ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ سَهَا فَلَمْ يُبَايِعْ الْخَلِيفَةَ ثُمَّ بَايَعَهُ، اُنْظُرْ إذَا كَلَّفَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ قَوْمًا بِمَالٍ ظُلْمًا فَامْتَنَعُوا فَجَاءَ لِقِتَالِهِمْ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ تَعْرِيفَ ابْنِ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ بُغَاةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ لِأَنَّهُ جَائِزٌ، وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُ بُغَاةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلَمْ يُرِيدُوا خَلْعَهُ، وَإِذَا بَغَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (فَا) كَرَّتَهُمْ (الْعَدْلِ) سَحْنُونٌ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَدْلٌ وَجَبَ الْخُرُوجُ مَعَهُ لِيَظْهَرَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا وَسِعَك الْوُقُوفُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْسَك أَوْ مَالَكَ فَادْفَعْهُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ لَك دَفْعُهُ عَنْ الظَّالِمِ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَامَ عَلَى الْإِمَامِ مَنْ أَرَادَ إزَالَةَ مَا بِيَدِهِ فَقَالَ الصِّقِلِّيُّ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إنْ كَانَ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ الذَّبُّ عَنْهُ وَالْقِيَامُ مَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَدَعْهُ، وَمَا يُرَادُ مِنْهُ يَنْتَقِمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ظَالِمٍ بِظَالِمٍ ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>