للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّفْلِ، وَيُشَاوِرُ ذَوِي الرَّأْيِ، وَيَصَفُّ جَيْشَهُ، وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفْئًا، وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ؛

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

(وَيُشَاوِرُ ذَوِي الرَّأْيِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ النَّاسِ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهَا اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُخْفِي مِنْ أَمْرِهِ مَا أَمْكَنَ إِخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِ الْعَدُوُّ. وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً، وَرَّى بِغَيْرِهَا (وَيَصُفُّ جَيْشَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: ٤] قَالَ: الْوَاقِدِيُّ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ رَبْطَ الْجَيْشِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَسَدَّ الثُّغُورِ فَيَصِيرُونَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَيَتَرَاصُّونَ، لِقَوْلِهِ {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: ٤] (وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفْئًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ خَالِدًا عَلَى إِحْدَى الْجَنَبَتَيْنِ، وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى السَّاقَةِ» . وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْحَرْبِ، وَأَبْلَغُ فِي إِرْهَابِ الْعَدُوِّ.

(وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ) لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ مَنْ يَمِيلُ عَنْهُ، فَيَخْذُلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيُشَتِّتُ الْكَلِمَةَ.

فَرْعٌ: إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ آخَرَ أُصِيبَ فَرَسُهُ، وَمَعَهُ فَضْلٌ اسْتَحَبَّ لَهُ حَمْلُهُ، وَلَا يَجِبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ فَضْلِ طَعَامِهِ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ، وَتَخْلِيصُهُ مِنْ عَدُوٍّ. ذَكَرِهِ فِي " الشَّرْحِ ".

[جَوَازُ بَذْلِ الْإِمَامِ الْجُعْلَ لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ]

(وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ: لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ) يَفْتَحُهَا (أَوْ مَاءٍ) فِي مَفَازَةٍ، أَوْ مَالٍ يَأْخُذُهُ، أَوْ ثَغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا فِي الْهِجْرَةِ مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْوَكِيلِ، وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بِفِعْلِ مَا جُعِلَ فِيهِ، سَوَاءٌ له كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا مِنَ الْجَيْشِ أَوْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزُ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُ إِعْطَاءُ دَالٍّ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

(وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) إِذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، كَالْجُعْلِ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَرَدِّ الضَّالَّةِ. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>