للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا - فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا، وَلَا بِدْعَةَ إِلَّا فِي الْعَدَدِ،

وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَابْنِ مُقَاتِلٍ: أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، وَأَنْكَرَ النَّوَوِيُّ حِكَايَتَهُ عَنِ الْحَجَّاجِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَأَوْقَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ ثَلَاثٍ - مَجْمُوعَةٍ أَوْ مُفَرَّقَةٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ - وَاحِدَةً، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَلَمْ يُوقِعْهُ عَلَى حَائِضٍ وِفَاقًا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي " الْوَاضِحِ "؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْفَسَادِ، وَلَا فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ، وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي إِيقَاعِ الثَّلَاثِ: إِنَّمَا جَعَلَهُ لِإِكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ منه، لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ، فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ مِنَ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوهُ، سَاغَتِ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً، ثُمَّ هذه العقوبة إِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مُؤَبَّدَةً كَانَتْ حَدًّا، وَإِنْ كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ - كَانَ تَعْزِيرًا.

[إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا]

(وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا - فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا، وَلَا بِدْعَةَ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ: (إِلَّا فِي الْعَدَدِ) أَيْ: يَثْبُتَانِ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ، وهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَاصِلُهُ: إنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَحْصُلُ الرِّيبَةُ، وَالْحَامِلُ الَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا رِيبَةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدِ اسْتَبَانَ، وَإِنَّمَا شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَلَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا فَطَلَّقَهَا ظَنًّا أَنَّهَا حَائِلٌ، ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلُهَا - رُبَّمَا نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَحكي فِي " الْمُغْنِي ": أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَامِلَ طَلَاقُهَا ليس لِلسُّنَّةِ ولَا للبدعة، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّنَّةَ مَا وَافَقَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ طَلَّقَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ، فَقَدْ وَافَقَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ، فَكَذَا فِي الْحَمْلِ، لَكِنَّ الْحَامِلَ الَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا قَدْ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَلَا يَخَافُ ظُهُورَ أَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بِهِ النَّدَمُ، وَلَيْسَتْ بِمُرْتَابَةٍ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>