للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ للَّهِ تَعَالَى، فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِيَ الْقَتْلُ وَسَقَطَ سَائِرُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ، مِثْلُ إِنْ زَنَى، أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا، أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا، وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

مَسَائِلُ: إِذَا أَتَى حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ، نَقَلَ مُهَنَّا: رَجُلٌ زَنَى يَذْهَبُ يُقِرُّ؟ قَالَ: بَلْ يَسْتُرُ نَفْسَهُ. وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي إِنْ شَاعَ رَفَعَهُ إِلَى حَاكِمٍ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ تَعَلَّقَتِ التَّوْبَةُ بِظَاهِرٍ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، أَظْهَرَهَا وَإِلَّا أَسَرَّ. وَإِنْ قَالَ لِإِمَامٍ: أَصَبْتُ حَدًّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا، وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ، كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، فَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ لِلْخَبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ.

[اجْتِمَاعُ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى]

فَصْلٌ (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ للَّهِ تَعَالَى فِيهَا قَتْلٌ، اسْتُوفِي الْقَتْلُ وَسَقَطَ سَائِرُهَا) قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ سَعِيدٌ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، وَكَالْمُحَارِبِ إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِقَتْلِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ لِمُجَرَّدِ الزَّجْرِ، وَقَتْلُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ فِيهِ غَرَضَ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ، مِثْلُ إِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ مِرَارًا أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إِتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ التَّدَاخُلُ كَالْكَفَّارَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا تَدَاخُلَ فِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْبُلْغَةِ: يُقْطَعُ وَاحِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ: إِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ قُطِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهَا، ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ تَتَدَاخَلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ أَحْكَامٌ، وَإِلَّا فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ، فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَحْكَامٌ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْأَئِمَّةُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ: فَأَثْبَتَ فِيهِ تَحْرِيمَيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>