للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

كَإِقْرَارِهِ بِزِنَا أَمَةِ غَيْرِهِ وَجَبَ قَطْعُهُ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ حَبْسُهُ، قَالَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ حَقًّا فِي الْقَطْعِ، فَيُحْبَسُ، وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ سَقَطَ قَطْعُهُ (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِخَالُكَ سَرَقْتَ» عَرَّضَ لَهُ لِيَرْجِعَ وَلَوْ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ حَدٌّ ثَبَتَ بِالِاعْتِرَافِ فَسَقَطَ بِالرُّجُوعِ، كَحَدِّ الزِّنَا، وَلِأَنَّ حُجَّةَ الْقَطْعِ زَالَتْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ.

فَائِدَةٌ: قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ: لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِ السَّارِقِ لِيَرْجِعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لِلْآثَارِ.

[الشَّرْطُ السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ]

فَصْلٌ

(السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْمُغْنِي "، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ أَبَاحَهُ إِيَّاهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَى طَائِفَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةِ السَّارِقِ مِنْهُمْ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ، فَاعْتُبِرَتِ الْمُطَالَبَةُ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْقَطْعِ السَّرِقَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ فَوَجَبَ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ كَالزِّنَا، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ أَوْسَعُ فِي الْإِسْقَاطِ، لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ حُدَّ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ مَالِ الْآدَمِيِّ، فَلَهُمْ بِهِ تَعَلُّقٌ، فَلَمْ يُسْتَوْفَ مِنْ غَيْرِ مُطَالِبٍ بِهِ، وَالزِّنَا حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الْمُطَالِبِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: غَصَبْتَنِي وَنَحْوَهُ، لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ لِاثْنَيْنِ فَتَخَالَفَا فِي إِقْرَارِهِ لَمْ يُقْطَعْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ وَافَقَهُ نِصَابٌ فَيُقْطَعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>