للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ، وَالتَّدْخِينِ، وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.

وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْمُدَبِّرَةِ الَّتِي سَحَرَتْهَا فَبَاعَتْهَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» . الْخَبَرَ. فَإِنْ قَتَلَ بِهِ قُتِلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هَذَا فِي السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ، فَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يُقْتَلُ بِسِحْرِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": إِنِ اعْتُقِدَ جَوَازُهُ (فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ السَّاحِرَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، فَيَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِهِمْ، وَيُبْقِي مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ السَّحَرَةِ عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ (وَلَكِنْ يُعَزَّرُ) إِذَا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ ": إِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ، وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ، وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ، أَشْبَهَ السِّحْرَ، وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ، ويُنْتِجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيُعْطَى حُكْمُهُ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ وَالْمُتَقَارِبِينَ، لَا سِيَّمَا إِنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةٍ، فَهُنَا أَوْلَى (وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) كَمَا يُقْتَصُّ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ.

[الْعَازِمُ عَلَى الْجِنِّ]

(وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ، فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ) وَهُوَ الْمُعْزِمُ، وَكَذَا مَنْ يَحُلُّ السِّحْرَ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهَا، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَحُلُّ السِّحْرَ، فَقَالَ: رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي " الشَّرْحِ ": إِنْ كَانَ يَحُلُّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوِ الذِّكْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِشَيْءٍ مِنَ السِّحْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ (وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) تَبَعًا لِلْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " (فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي هَذَا تَفْصِيلًا، فَقَالَ: السَّاحِرُ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَاعِلَةٌ، وَيَدَّعِي بِسِحْرِهِ مُعْجِزَاتٍ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>