للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ، وَذَلِكَ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ. وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ، وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[شُرُوطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ] [الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً]

فَصْلٌ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) وَهِيَ عَلَى الْحَالِفِ، فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ، وَحُكِيَ عَنْهُ عَلَى الْمُحْنِثِ، (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً) لأن غير الْمُنْعَقِدَة: إِمَّا غَمُوسٌ، أَوْ نَحْوُهَا، وَإِمَّا لَغْوٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، (وَهِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْحِنْثِ وَالْمَنْعِ، (وَذَلِكَ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَظَاهِرُهُ إِرَادَةُ الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْيَمِينُ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْإِجْمَاعِ هِيَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْأَفْعَالِ. (وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً) لِأَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ إِمْكَانُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَذَلِكَ فِي الْمَاضِي مُتَعَذِّرٌ، وَحَاصِلُهُ ـ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ـ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ إِرَادَةَ تَحْقِيقِ خَبَرٍ فِيهِ مُمْكِنٌ بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي إِمَّا بِرٌّ، وَهُوَ الصَّادِقُ، وَإِمَّا غَمُوسٌ، وَهُوَ الْكَاذِبُ، أَوْ لَغْوٌ وَهُوَ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا عِبَارَةُ الْأَمْرِ أَوْ تَوْكِيدُهُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، (وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ) وَهِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ الْفَاجِرَةُ، يَقْتَطِعُ بِهَا حَقَّ غَيْرِهِ، وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ، وَغَمُوسٌ لِلْمُبَالَغَةِ، (وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) عَلَى الْمَاضِي، (كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ يَمِينَ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا يمين غير مُنْعَقِدَة، وَلَا تُوجِبُ بَرًّا، وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا، أَشْبَهَتِ اللَّغْوَ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إِثْمَهَا، فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَعُدُّ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ ـ لِلْخَبَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>