للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ، فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ، وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.

وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْتَشِيَ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ إِذَا قَدَرَ، كَمَنَ عَدِمَ الطَّهُورَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّقْلِيدِ، وَلِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ بِخَوْفِ فَوْتِ وَقْتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَذِيِّ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا أَعْرِفُ فِيهَا خَبَرًا قُلْتُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إِمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَالَمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» . فَرْعٌ: إِذَا حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

[لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ]

(وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) غَضَبًا كَثِيرًا، لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ، وَفِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَلَا حَاقِنٌ، وَلَا فِي شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ) قِيَاسًا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ: شَهْوَةُ نِكَاحٍ، وَكَسَلٌ، وَحُزْنٌ، وَخَوْفٌ، وَفَرَحٌ غَالِبٌ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ. (فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ) فِي الْأَصَحِّ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ لِلزُّبَيْرِ فِي شِرَاحِ الْحَرَّةِ وَهُوَ غَضْبَانُ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ) لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا) لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ مَعَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِشْغَالِ الْفَهْمِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِيمَا إِذَا عَرَضَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ، مَوْجُودٌ فِيمَا إِذَا عَرَضَ قَبْلَهُ، وَلِغَضَبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>