للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا اسْتَحَبَّ إِعْلَامُهُ بِه، وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قَدِيمٍ؛ فِيهِ وَجْهَانِ.

[مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا]

(وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» الْخَبَرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِرِضَاهُ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِ؛ كَشَهَادَةِ حِسْبَةٍ، وَيُقِيمُهَا بِطَلَبِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْحَاكِمُ، وَيَحْرُمُ كَتْمُهَا.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُقْدَحُ فِيهِ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَانَةُ أَحَدِهِمَا، وَيُعِينُ مُتَأَوِّلًا مُجْتَهِدًا، (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا اسْتَحَبَّ إِعْلَامُهُ به) لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى حَقِّهِ، وَكَالْوَدِيعَةِ، (وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ! الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَرْكُ إِطْلَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَجْلِ الْخَبَرِ الْآخَرِ، جَمْعًا بَيْنَهُمَا.

[لَا يَشْهَدُ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ]

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ} [الزخرف: ٨٦] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِتْقَانٍ.

وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الشَّهَادَةِ، قَالَ: تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا، فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ.» رَوَاهُ الْخَلَّالُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِغَيْرِ عِلْمٍ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ.

وَمُدْرَكُ الْعِلْمِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ) غَالِبًا، زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: حَالُ التَّحَمُّلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] . وَيَخْتَصُّ الثَّلَاثُ فِي الْآيَةِ بِالسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْفُؤَادِ، وَهُوَ يَسْتَنِدُ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، لِأَنَّ مُدْرَكَ الشَّهَادَةِ الرُّؤْيَةُ وَالسَّمَاعُ، وَهُمَا بِالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ دُونَ مَا عَدَاهُمَا مِنْ مَدَارِكِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَسُّ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ، لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الشَّهَادَةِ فِي الْأَغْلَبِ، (وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِأَفْعَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>