للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغِنَاءَ وَأَظْهَرَ الْفَقْرَ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْطَى مُكَاتَبٌ سَيِّدَهُ النُّجُومَ فَقَالَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك ثُمَّ وَجَدَ النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَسْمَحْ بِعِتْقِهِ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ سَلِيمَةٌ وَهَذَا نَظِير مَا إذَا أُوقِعَ الطَّلَاقُ عَلَى ظَنِّ وُقُوعِهِ لِفَتْوَى مِنْ مُقَلِّدٍ ثُمَّ بَانَ خَطَأُ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ فِيهِ شَيْء عَلَى قَصْدِ تَحْصِيلِ غَرَضٍ أَوْ عِوَضٍ فَلَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْله فَعَلَى هَذَا إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابُوهُ فَبَعَثَ شَيْئًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ هَدِيَّةً وَقَصَدَ إبَاحَتَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَإِذَا لَمْ يُزَوِّجُوهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ.

وَمَنْ أَفْتَى بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا لَمْ يُصِبْ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ أَهْدَى الْمَدِينُ لِدَائِنِهِ شَيْئًا وَصَرَّحَ بِالْهَدِيَّةِ فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ قَالَ قَصَدْت الْعِوَضِيَّةَ صَدَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَلَهُ حُسْبَانُهُ مِنْ الدَّيْن نَظِيرَ مَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ بَعَثَ إلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَعَثْته بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَهَذَا الْفَرْعُ دَائِرٌ بَيْن مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَالْخِطْبَةِ فَالْفُرُوعُ حِينَئِذٍ ثَلَاثٌ.

الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْعَث لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَصَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَبْعَثَ لِمَنْ وَعَدَهُ بِوَعْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنْ يُنْجِزَهُ لَهُ كَالْخِطْبَةِ وَكَمَنْ وَعَدَ إنْسَانًا بِأَنْ يَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِ شُغْلٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَفِيهِ مَا سَبَقَ

الثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ لِمَنْ لَا وَعْدَ عِنْدُهُ وَلَا دَيْنَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ غَرَامَةُ شَيْءٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّك لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَيَّ عِوَضًا مَعَ الرَّسُولِ وَأَمَّا إذَا قَالَ نَوَيْت أَخْذَ الْعِوَضِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يُثِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي نِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبُ الْإِثَابَةُ كَمَا لَمْ تَجِبُ الْهَدِيَّةُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا قَرِينَةٌ تَنْزِلُ عَلَيْهَا دَعْوَى الْعِوَضِيَّةِ.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تُرْمَى فِي النُّقُوطِ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَصَارِيفِ الَّتِي تُعْمَلُ لِلصَّبِيِّ عِنْد خَتْمِهِ الْقُرْآن وَغَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهَا عَلَى قَصْدِ الْمُكَافَأَةِ بِمِثْلِهَا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدَّعِي بِهَا وَيَطْلُبُهَا بَعْد الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَاَلَّتِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَلَى الْإِذْن فِي الْقَبْضِ فَهِيَ إمَّا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ أَوْ قَرْضٌ فَاسِدٌ.

فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَهَا لِلْمَالِكِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهَا لِنَحْوِ الْخَاتِنِ رَجَعَ عَلَيْهِ عِنْد قَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَوَجْهُ الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ تَصَدُّقٍ وَلَا إبَاحَةٍ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ بِالْمُكَافَأَةِ وَهِيَ إلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ أَقْرَبُ وَإِلَى الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ أَبْعَدُ لِقَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ إذَا وَصَلَ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ وَكِسْوَةُ الْعَارِي وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَيَرْجِعُ وَكَذَا إذَا دَادَى الْوَلِيُّ الصَّغِيرَ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْد إرَادَة الرُّجُوعِ لِعَوْدِ النَّفْعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا سَبَقَ مَنْ أَهْدَى لِقَوْمٍ هَدِيَّةً عَلَى قَصْد التَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ لِيُجِيبُوا خِطْبَتَهُ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ جَرَيَانِ السَّبَب وَهُوَ الْمُفَرِّطُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْعِمَادَ لَكِنْ مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهِ وَأَطْلَقَ فِي مَنْظُومَتِهِ الرَّدَّ فَقَالَ

وَخَاطِبٌ لِمَرْأَةٍ خَلِيَّهْ ... أَهْدَى لَهَا كِسْوَتَهَا الْوَفِيَّهْ

وَآلَةُ الطَّبْخِ مَعَ الْقُلْقَاسِ ... كَمَا جَرَى مِنْ عَادَةِ الْأَكْيَاسِ

إنْ رُدَّتْ الْخِطْبَةُ قَبْلَ الْوَصْلَةِ ... رُدَّ الَّذِي قَدْ قَبَضَتْ بِالْجُمْلَةِ

قَبْل الْمَمَاتِ وَبَعْدَهُ فِيهِ نَظَر ... فِي مَوْتِهَا مِنْ قَبْلِ رَدٍّ لِي خَطَر

إلْحَاقُهَا بِنَاكِحِ التَّفْوِيضِ ... إنْ قُرِّرَ الْمَهْرُ فَخُذْ قَرِيضِي

وَاَلَّذِي يُتَّجَه أَنَّا حَيْثُ أَوْجَبْنَا لَهُ الرُّجُوعَ لَا فَرْقَ بَيْن مَوْتِهَا وَعَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ عَوْدِ الْهَدِيَّةِ إلَى مِلْكِ الْأَبِ حَتَّى تُجْعَلَ تَرِكَةً لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا خَتَنَ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ هَلْ تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ أَوْ مِلْكًا لِلْأَبِ.

فَاَلَّذِي قَالَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>