للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَنْ ارْتَدَى بِرِدَاءِ شَهْوَةِ زَهْرَةٍ ... فِيهَا بَدَا لَلنَّاظِرِينَ عِثَارُهُ

وَلِبَعْضِ الْفَسَقَةِ أَبِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ فِي مَدْحِهَا حَذَفْتهَا لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْإِطْرَاءِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا.

وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فَقَالَ

لَا تُصْغِيَنَّ لِمَادِحٍ شُرْبَ الْحَشِيشِ ... فَإِنَّهُ فِي الْقَوْلِ غَيْرُ مُسَدَّدِ

وَانْهَضْ بِعَزْمَةِ مَاجِدٍ فِي رَدِّهِ ... فِي قَصْدِهِ بِالسَّوْطِ جَنْبًا وَالْيَدِ

السُّكْرُ شَرٌّ كَيْفَ كَانَ فَلَا تَمِلْ ... فِي مَدْحِهِ لِمَنْ اعْتَدَى لَمْ يَهْتَدِ

مَنْ كَانَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا فَلْيَلْتَزِمْ ... أَنْ لَا يَحِيدَ عَنْ السَّبِيلِ الْأَرْشَدِ

وَلَقَدْ تَرَاهُ ضَاحِكًا أَوْ بَاكِيًا ... أَوْ نَاطِقًا بِقَبَائِحَ لَمْ تُشْهَدْ

هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ صَالِحٍ ... مَنْ ضَلَّ عَنْ سُنَنِ الرَّشَادِ الْأَمْجَدِ

قَدْ ضَلَّ مَنْ أَفْتَى بِحِلِّ شِرَائِهَا ... فِيمَا عَزَا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ

فِيهَا الْإِهَانَةُ بِالنِّعَالِ وَبِالْعَصَا ... لِلرَّاعِدِ الْمَهْبُولِ وَالْمُتَعَبِّدِ

مَنْ كَفَّ كَفَّ الْهَمُّ عَنْهُ بِكَفِّهَا ... أَمَسَى عَلَى كَفٍّ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي

مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَوْ نَاظِرٍ ... أَوْ نَاصِحٍ فِي فِعْلِهِ مُتَزَهِّدِ

مَنْ كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَفُوزَ فَحَقُّهُ ... أَنْ لَا يَجُوزَ عَنْ اهْتِدَاءِ الْمُهْتَدِي

وَلْيَطَّرِحْ قَوْلَ الْمُبِيحِ لِأَكْلِهَا ... وَلْيَقْتَرِحْ يَوْمَ السُّرُورِ إلَى غَدِ

وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُفَتِّرُ كُلُّ مَا يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَطْرَافِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهَا تُسْكِرُ وَتُخَدِّرُ وَتُفَتِّرُ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ النَّوْمُ لِمُتَعَاطِيهَا وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهَا قَالَ وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَّلِ الْمِائَةِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَطْعِمَةِ وَفِي بَحْرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبَاتَ الَّذِي يُسْكِرُ وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى آكِلِهِ وَلَا نَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَنَا.

وَقَالَ فِي بَابِ الشُّرْبِ وَمَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْبَنْجِ لَا حَدَّ فِي تَنَاوُلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يَطْرَبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ اهـ.

وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ النَّبَاتُ الَّذِي فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يُقَاسُ بِالْخَمْرِ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ الْمُسَاوَاةُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُشْبِهُ الْخَمْرَ فِي تَعَاطِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُورِثُ عَرْبَدَةً وَغَضَبًا وَحَمِيَّةً وَالشَّيْكَرَانُ يُزِيدُهُ شِدَّةً وَعَرْبَدَةً بِالسُّكْرِ بِخِلَافِ أَكْلِ الْمُخَدِّرَاتِ فَإِنَّهُ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ يَسْكُنُ شَرُّهُ لِفُتُورِ بَدَنِهِ وَتَخْدِيرِهِ وَكَثْرَةِ نَوْمِهِ وَأَيْضًا الْحَشِيشُ وَنَحْوُهَا طَاهِرَةٌ وَالْخَمْرُ نَجِسَةٌ فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الزَّجْرِ عَنْهَا بِإِيجَابِ الْحَدِّ وَأَيْضًا الْخَمْرُ يَحْرُمُ تَعَاطِي قَلِيلِهَا لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْحَشِيشِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَتَعَاطَى مِنْهَا مَا لَا يُسْكِرُ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ.

وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهَا بَعْدَ التَّحْمِيصِ وَالْغَلْيِ نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ حِينَئِذٍ قَالَ وَسَأَلْت جَمَاعَةً مِمَّنْ يُعَانِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا اهـ.

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ مُلْحَقَةٌ بِجَوْزِ الطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْأَفْيُونِ وَالشَّيْكَرَانِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَنْجُ وَهُوَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ الْمُخَدِّرَاتِ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ الْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيُّ اهـ.

قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي أَكْلِ الْحَشِيشِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً مِنْهَا أَنَّهَا تُورِثُ الْفِكْرَةَ وَتُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ وَتُعَرِّضُ الْبَدَنَ لِحُدُوثِ الْأَمْرَاضِ وَتُورِثُ النِّسْيَانَ وَتُصَدِّعُ الرَّأْسَ وَتَقْطَعُ النَّسْلَ وَالْمَنِيَّ وَتُجَفِّفُهُ وَتُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ وَاخْتِلَالَ الْعَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>